تسبحة
مريم العذراء
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
«46فَقَالَتْ
مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، 47وَتَبْتَهِجُ
رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي، 48لأَنَّهُ
نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ
تُطَوِّبُنِي، 49لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ
بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، 50وَرَحْمَتُهُ
إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. 51صَنَعَ
قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. 52أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ
وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. 53أَشْبَعَ
الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. 54عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ
رَحْمَةً، 55كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا.
لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». 56فَمَكَثَتْ
مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 46-56).
Ø
تسبِّح
تُعَظِّمُ الرَّبَّ بإعلان النبوَّة:
عندما التهب قلب العذراء بالروح، أنشدت نشيدها كـ «نبيَّة».
نعم، آخر نبية في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ وأول أنبياء الإِنْجِيل أي العهد
الجديد قاطبة. فما من نبية أو نبي في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ نال من التقديس والنعمة وحلول الروح القدس الدائم وقوة العليِّ
مثل ما نالت العذراء، بل وكل جماعة الأنبياء بجملتها لم تحتوِ ولو بفكرها ما
احتوته العذراء في أحشائها متجسداً!!
وهنا لأول مرة نسمع نشيد الفرح من إيقاع الروح على
قيثارة النعمة، بفم عذراء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فليس من فراغ ولا هو
اجتهاد أن تعظِّم الربَّ نفسُ العذراء، فهو تحصيل حاصل. فالعظيم والفريد في عظمته
يحتل هيكلها ويضبط فكرها ويحرِّك لسانها، وهي تعظِّمه ليس بالكيل البشري أو بقدرة
الإنسان، بل لأن القدير صنع بها عظائم. فمن عظمة ما صنع فيها تعظِّمه في ذاته، وهي
لا تضيف عليه ولا له من عندها شيئاً، بل من عظمة نعمته أخذت ولعظمة نفسه تردّ.
فمَنْ ذا الذي يمنعها من أن تعظِّم؟ ومَنْ ذا
الذي يستكثر عليها التسبيح بالروح، والذي تسبِّحه السموات كائن في أحشائها؟
أما ابتهاجها بالروح فليس هو كلاماً ولا هو ترتيلاً، بل
هو جمرة نار الله المتقدة في قلبها، اشتعلت نفسها بهـا ابتهاجـاً كمركبـة خلاص
امتطتها لتصير فوق كل ما في الجسد والدنيا وتربُّص الأعداء! وهوذا زكريا النبي
يراها من على بُعْد ويعزز ابتهاجها مرات ومرات: «9اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا
بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ
وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ»(سِفْرُ زَكَريَّا9: 9). ولم ترتخِ عين العذراء الناظرة
إلى العليِّ عن اتضاع نفسها وبيتها وعشيرتها، ورمت ببصرها في رؤية نبوية ممتدَّة،
فرأتنا والأجيال الآتية بعدنا نطوِّب بطنها التي حملت رب المجد، والثديين اللتين
أرضعتاه طفلاً في المهد، ونفسها وروحها والجسد، هذا الذي منه تنازل مسروراً
وتجسَّد. وقالت وهي لا ترى كيف: إنَّه بقوة ذراعيه صنع القوات، وبنفخة شفتيه شتت
المستكبرين، وبموته أنزل الأعزاء عن الكراسي، وبقيامته رفع المتضعين! من جسده
المكسور أشبع جياع الروح بخيرات السماء، والأغنياء بذواتهم والدنيا صرفهم فارغين!
رفع رأس إسرائيل حبيبه وحقَّق وعد إبراهيم خليله!
فما من منشد من كل المنشدين بلغ قامتها، لا من قبل ولا
من بعد!
العدد الأول: «46فَقَالَتْ
مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي
الرَّبَّ،
«1فَصَلَّتْ
حَنَّةُ: «فَرِحَ
قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي
عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ
الأَوَّلُ2: 1).
لِدَاوُدَ عِنْدَمَا غَيَّرَ عَقْلَهُ
قُدَّامَ أَبِيمَالِكَ فَطَرَدَهُ فَانْطَلَقَ «2بِالرَّبِّ
تَفْتَخِرُ نَفْسِي. يَسْمَعُ الْوُدَعَاءُ فَيَفْرَحُونَ. 3عَظِّمُوا الرَّبَّ مَعِي وَلْنُعَلِّ اسْمَهُ
مَعاً»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور34: 2و3).
لِدَاوُدَ «9أَمَّا
نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِالرَّبِّ وَتَبْتَهِجُ بِخَلاَصِهِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ،
مَزْمُور35: 9).
لِدَاوُدَ «1بَارِكِي
يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. 2بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ
كُلَّ حَسَنَاتِهِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور103:
1و2).
«15لِذَلِكَ
فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ
الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. 16مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً:
«مَجْداً لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي! يَا تَلَفِي! (أَنَا هَالِكٌ! أَنَا هَالِكٌ!) وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ
نَهَبُوا نَهْباً»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ24: 15و16).
«25بِالرَّبِّ
يَتَبَرَّرُ وَيَفْتَخِرُ كُلُّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ45: 25).
«10فَرَحاً
أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي
ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ
بِعِمَامَةٍ وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ61: 10).
«17فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ وَلاَ يَكُونُ
حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ
طَعَاماً. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ 18فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ
بِإِلَهِ خَلاَصِي. 19اَلرَّبُّ
السَّيِّدُ قُوَّتِي وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ وَيُمَشِّينِي عَلَى
مُرْتَفَعَاتِي. لِرَئِيسِ الْمُغَنِّينَ عَلَى آلاَتِي ذَوَاتِ الأَوْتَارِ»(سِفْرُ حَبَقُّوق3: 17-19).
«11وَلَيْسَ
ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ5: 11).
«31حَتَّى
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ1: 31).
«14وَلَكِنْ
شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ
حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ2: 14).
«3لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ
بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى
الْجَسَدِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي3: 3).
«4اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً
افْرَحُوا»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي4: 4).
«8الَّذِي
وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ
لَكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ،»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى1: 8).
قبل
ميلاد يوحنا المعمدان تنبَّأت اليصابات، وقبل ميلاد الرب مخلِّصنا تنبَّأت مريم.
وكما بدأت الخطيّة بالمرأة ثم بلغت إلي الرجل، هكذا بدأ الخلاص في العالم
بواسطة نساء العالم، تغلَّبْن على ضعف جنسهن. لننظر الآن نبوَّة العذراء وهي تقول:
«تُعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلِّصي»، فإنَّ النفس والروح يشتركان في
التعظيم.
لقد
أساءت حواء إلى خالقها حين شوَّهت روحها بالعصيان، وأفسدت خليقة الله الصالحة،
فلم تعد حياتها تمجّد الخالق ولا أعماقها تُعلن عن بهائه. وقد جاءت القدّيسة مريم تحمل كلمة الله في
أحشائها، يردّ لنفسها جمالها الأول، وتصير روحها مبتهجة بكونها صورة الله ومثاله.
السؤال: كيف تعظِّم نفسي الرب؟ حقًا إن كان الرب لا يقبل الزيادة
ولا النقصان إنما بلا تغيير، فإلى أي مدى يمكن لمريم أن تقول هذا؟: «تعظِّم
نفسي الرب»؟...كلما كبرت صورة (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فيَّ)
وصارت بهيّة بأعمالي وأفكاري وأقوالي، تكون قد كبرت صورة الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ وتمجّد...وكما أن صورة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ تزداد بهاءً فينا، فإنَّنا إذ نخطئ تصغر الصورة
وتبهت...
0 التعليقات:
إرسال تعليق