الإبن (الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ) لا يعلم الساعة
الجزء الثاني
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
والذي سيُقيم جميع الأموات من الموت،
ويأخذ المؤمنين علي السحاب ويجلس علي عرش الدينونة كالديَّان ليَدِين الأحياء
والأموات «26لأَنَّهُ
كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً
أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ 27وَأَعْطَاهُ
سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 28لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي
سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ 29فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ
إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ
الدَّيْنُونَةِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا5: 26-29)، «1الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ
يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ» (رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ4: 1). فهو الذي يُحيي الموتي يوم
الدينونة وهو الديَّان يوم الدين وهو ملك الملكوت. وقد وَصَفَ، هو، هذا اليوم
بكلِّ دقَّةٍ وتفصيلٍ حيث قال «31وَمَتَى
جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ
مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ
فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ
الْجِدَاءِ 33فَيُقِيمُ الْخِرَافَ
عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34ثُمَّ
يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي
رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ...41ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ
الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ
الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى25: 31-34 و41).
في وقتٍ مُحَدَّدٍ أسماه الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بملء الزمان «4وَلَكِنْ
لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ
امْرَأَةٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ4: 4). وذلك قبل الخليقة والأزمنة
والدهور. وهذا هو سرّ التجسُّد الإلهيّ الذي يقول عنه الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ «25السِّرِّ الَّذِي
كَانَ مَكْتُوماً فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ16: 25). «18عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ
بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ
الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، 19بَلْ
بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، 20مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ
الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى1: 18-20). وكان يؤكِّد كثيرًا علي هذا
اليوم الذي يقدِّم فيه ذاته. يقول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بالروح «21مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ
يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ
وَيُقْتَلَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى16: 21)، «31لأَنَّهُ
كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ
إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ9: 31).
فهل من المعقول أنْ يعرف الابن اليوم الذي سيُصلب فيه واليوم الذي سيقوم فيه من
الأموات، والمُعَيَّن من قَبْلِ الخليقة وتأسيس العالم، ولا يعرف يوم مجيئه في
مجد؟
12) وكما
بيَّنا أعلاه كيف أن الابن يعرف كل شيء وأنه كلي الحكمة والعلم والمعرفة، وقد شرح لتلاميذه كلّ تفصيلات ودقائق
علامات مجيئه الثاني في مجد ونهاية العالم والأحداث التي ستسبق ذلك اليوم وتلك
الساعة وما سيحدث بعدها بالتفصيل، بل وشرح ما سيحدث في يوم الدينونة بكلَّ دقَّة
وتفصيل مؤكِّدًا أنَّه في نهاية هذا الجيل، الذي ستحدث فيه هذه الأحداث، ستأتي
الساعة وينتهي العالم «34اَلْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ. 35اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ
كَلاَمِي لاَ يَزُولُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى24: 34-35).
وبالتالي يعرف متى سيكون اليوم وتأتي الساعة.
وتلك الساعة ولأنَّه أرادهم أنْ لا
يشغلوا أذهانهم بالتركيز علي حساب الأوقات والأزمنة، كقول الإِنْجِيل بالروح القدس
«1وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ
فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا»(رِّسَالَة بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي5: 1)، بل أرادهم أنْ يركِّزوا علي
الاستعداد الدائم وضرورة السهر والصلاة لأنَّه سيأتي في يوم لا ينتظرونه وفي ساعة
لا يتوقَّعُونَها، وقد كرَّر لهم تأكيده علي ذلك؛ «اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ
لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى24: 42)، «44كُونُوا
أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي
ابْنُ الإِنْسَانِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى24: 44)، «اسْهَرُوا
وَصَلُّوا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ» (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ13:
33)، «35اسْهَرُوا إِذاً
لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ أَمَسَاءً أَمْ نِصْفَ
اللَّيْلِ أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ أَمْ صَبَاحاً»(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ13: 35)، «37وَمَا
أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا»(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ13: 37).
2) لأنَّه
إتخذ صورة العبد وصار إنساناً، وكإنسان، تدبيريًا، بناسوته، وبسبب احتجاب لاهوته في ناسوته
وظهوره في الجسد ووجوده في الهيئة كإنسان، قال أنَّه لا يعرف اليوم والساعة، يقول
القديس أثناسيوس الرسولي: «والآن فلماذا رغم أنَّه كان يعرف، لم يُخبرْ تلاميذه
بوضوح في ذلك الحين، لا يستطيع أحد أنْ يفحص ما صَمَتَ الربّ عنه، 34لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ
صَارَ لَهُ مُشِيراً؟»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ11: 34)، ولماذا رغم أنَّه يعرف، قال «وَلاَ
الاِبْنُ» يعرف. أظنّ أنَّ هذا لا يجهله أي واحد من المؤمنين: أنَّه قال هذا مثلما
قال الأقوال الأخرى - كإنسانٍ بسبب الجسد فهذا ليس نقصًا في الكلمة، بل هو من تلك
الطبيعة البشريّة التي تتصف بالجهل.
وهذا أيضًا يمكن أن يُري جيدًا. إنْ
كان أحد يفحص المناسبة بإخلاص: متى ولمن تكلَّم المخلِّص هكذا؟ فهو لم يتكلَّم
هكذا حينما خُلقت السموات بواسطته، ولا حينما كان مع الآب نفسه الكلمة الصانع كل
الأشياء «27لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ
دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ. 28لَمَّا
أَثْبَتَ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ. 29لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ
تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ 30كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ
لَذَّتَهُ فَرِحَةً دَائِماً قُدَّامَهُ. 31فَرِحَةً
فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ8: 27-30). وهو لم يقلْ هذا أيضًا قبل ولادته كإنسان ولكن حينما
صار الكلمة جسدًا. ولهذا السبب فمن الصواب أنْ ننسب إلي ناسوته كلّ شيء يتكلَّم به
إنسانيًا بعد أنْ تأنَّس. لأنَّه من خاصيَّة الكلمة أنْ يعرف مخلوقاته، وأنْ لا
يجهل بدايتها ونهايتها، لأنَّ هذه المخلوقات هي أعماله. وهو يعرف كم عددها وحدود
تكوينها. وإذ هو يعرف بداية كلّ شيء ونهايته، فإنَّه يعرف بالتأكيد النهاية
العامّة والمشتركة للكلِّ. وبالتأكيد فحينما يتكلَّم في الإنجيل قائلاً «1تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ
السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ
ابْنُكَ أَيْضاً»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 1)،
فواضح أنَّه بصفته الكلمة، يعرف أيضًا ساعة نهاية كلّ الأشياء ورغم أنَّه كإنسانٍ
يجهلها، لأنَّ الجهل هو من خصائص الإنسان، وخاصة هذه الأمور.
«لأنَّه منذ صار إنسانًا لم يخجل بسبب
الجسد الذي يجهل - أنْ يقول لا أعرف لكي يُوضِّح أنَّه بينما هو يعرف كإله، فهو
يجهل جسديًا...حينما تكلَّم إنسانيّا قائلا «ولا الابن يعرف» فأنَّه كإله يُظهر
نفسه أنَّه يعرف كلّ الأشياء. لأنَّ ذلك الابن الذي يُقال أنَّه لا يعرف اليوم،
يقول هو عن نفسه أنَّه يعرف الآب لأنَّه يقول «لاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ
الاِبْنُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى11: 27). وكل الناس عدا
الآريوسيِّين يعترفون أنَّ الذي يعرف الآب يعرف اليوم والساعة».
3) عادة ما يذكر الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ أمورا يبدو فيها الله الآب وكأنه لا يعرف، يجهل، وفي نفس الوقت هو
يعرف، فهو كلَّيّ العلم والمعرفة، لماذا؟ لأنَّ هذا ما يقتضيه التدبير الإلهيّ
للخليقة، فهو غير المحدود ولكنه يتعامل مع البشريّة المحدودة، ولذا فهو يتعامل مع
الإنسان بحسب فهمه المحدود، وأحيانًا لأنَّ الوقت المُعيَّن لكشف هذه المعرفة لم
يأتِ بعد. وعلي سبيل المثال يقول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عندما شرع
بعض الناس في بناء برج بابل «5فَنَزَلَ
الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو ادَمَ
يَبْنُونَهُمَا»(سِفْرُ التَّكْوِينِ11: 5)، فهل
كان الله يجهل ما يحدث، كلا فقد كان يعرف ما يفعلونه بدليل قوله «فَنَزَلَ
الرَّبُّ لِيَنْظُرَ»، وإنما كان يبدو ويتصرَّف وكأنَّه لا يعرف، تدبيريًا، فهو
يتعامل مع الإنسان بالمفهوم الذي يقدر علي فهمه.
وهذا نفس ما قاله عن سدوم وعمورة «20إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ
وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّا. 21انْزِلُ
وَارَى هَلْ فَعَلُوا بِالتَّمَامِ حَسَبَ صُرَاخِهَا الْاتِي الَيَّ وَالَّا
فَاعْلَمُ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ18: 20-21). يقول الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أنَّه نزل ليري ما يعرفه، فهو يتكلَّم وكأنَّه لا يعرف،
يجهل، وهو يعرف. فهو يعرف ما يحدث في سدوم وعمورة وأنَّ خطاياهم قد عظُمَت ولا
يجهل ما يفعلونه، إنَّه يعرف ما قد حدث وما سيفعله هو، ولكن الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يقول أنَّه نزل ليري، تدبيريًا، بحسب المفهوم البشريّ.
وعندما طلب الله من إبراهيم أنْ
يُقَدِّم اِبنه إسحاق محرقة وبعد أنْ وضع إبراهيم اِبنه علي المذبح وهَمَّ ليذبحه
قال له «12لا تَمُدَّ يَدَكَ الَى
الْغُلامِ وَلا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئا لانِّي الْانَ عَلِمْتُ انَّكَ خَائِفٌ اللهَ
فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ22: 12). فهل كان اللَّه يجهل ذلك؟ كلا، إنما يتكلَّم اللَّه
هكذا تدبيريًا، فقد كان لا بدّ أنْ يُبَرْهِن إبراهيم عن طاعته للَّه عمليًا.
كما يقول في المزمور «2الَّلهُ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي
الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ 3كُلُّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا مَعاً فَسَدُوا لَيْسَ
مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور53: 2-3). إنَّه يعرف كلّ شيء ولا يُخْفَي عليه
شيء ولكن المزمور يقول ذلك تدبيريًا، بالأسلوب الذي يوصِّل للبشر ما يريد أنْ
يُعْلِنَه لهم.
وبنفس الطريقة يتحدَّث الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن معاملة الابن لشجرة التين، يقول الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ «فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ وَجَاءَ
إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئاً إِلاَّ وَرَقاً فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا:
«لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ». فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي
الْحَالِ.
فَلَمَّا رَأَى التَّلاَمِيذُ ذَلِكَ
تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ؟»(إِنْجِيلُ مَتَّى21: 19-20). وهنا يبدو وكأنَّه لم يكنْ
يعرف حقيقة الشجرة، والعكس صحيح، ولكنه فعل ذلك ليقدِّم للتلاميذ مثالا «وَقَالَ هَذَا الْمَثَلَ: «6كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ
فِي كَرْمِهِ فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَراً وَلَمْ يَجِدْ. 7قَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ
آتِي أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هَذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا
تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضاً؟»(إِنْجِيلُ
لُوقَا13: 6-7). هذا ما قصده الابن، فقد بدا وكأنَّه يجهل، تدبيريًا،
إنْ كانت الشجرة مثمرة أم لا، ليقدِّم لتلاميذه مثالاً. إنَّه يتصرَّف ويتكلَّم
بأسلوب تصويريّ رمزيّ يصل إلي مستوي الفهم البشريّ. تصرَّف وكأنَّه يجهل وهو
المُذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة.
كما سأل عن القبر الذي دُفن فيه لعازر
قائلاً «34أَيْنَ وَضَعْتِمُوه» (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا11: 34)، في نفس الوقت الذي كان يعلم
فيه بموت لعازر قبل أنْ يموت، فقد كان يعرف، حسب التدبير الإلهيّ، أنَّ لعازر
سيموت ويظلّ في القبر لمدَّة أربعة أيام وأنَّه سيُقيمه من الموت في اليوم الرابع
من موته ليُظْهِرَ مجده «فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ: «4هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ
مَجْدِ اللَّهِ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا11: 4). كان يعرف أنَّ لعازر سيموت وأنَّه سيُقيمه من الموت، وكان
يعرف المكان الذي ذهبت إليه روح لعازر وقد أقامه من الأموات. فهل يُعقل أنْ يعرف
كلَّ ذلك ولا يعرف مكان القبر المدفون فيه؟ لقد سأل الابن وكأنَّه لا يعرف، يجهل
المكان، تدبيريًا، وهو كلِّىّ المعرفة والعلم.
وفي تعامله مع المرأة السامريّة قال
لها «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا» وكأنه يجهل حقيقتها. «أَجَابَتِ
الْمَرْأَةُ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ»، وهنا يكشف لها ما لا يعلمه إلا هو ككلي العلم
والمعرفة «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَناً قُلْتِ لَيْسَ لِي زَوْجٌ. هَذَا قُلْتِ
بِالصِّدْقِ». وهنا سمعت المرأة ما جعلها تقول له «يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ
نَبِيٌّ!»، بل وذهبت تقول للناس «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ
مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا4: 16-19و29). سألها وهو يبدو أنَّه يجهل من هي ثمَّ كشف لها كلّ
أسرارها مما جعلها تعتقد أنَّه نبيّ والمسيح المنتظر.
كما سأل تلاميذه قائلا: «مَنْ يَقُولُ
النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» وهو يعلم تمامًا ما يقوله الناس عنه
ولكنَّه تكلَّم وكأنَّه يجهل ليوصِّل تلاميذه إلي حقيقة ذاته بالروح القدس وليس
بحسب ما يعتقده البشر، «13وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ
فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ وَقَائِلاً: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا
ابْنُ الإِنْسَانِ؟» 14فَقَالُوا:
«قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ:
إِرْمِيَا، أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 15قَالَ
لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» 16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ
هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ». 17فَأَجَابَ
يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً
وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى16: 13-17). وهذا ما أراد أنْ يُعلنه لهم من خلال سؤاله هذا، أنَّه
المسيح ابن اللَّه الحيّ. وبنفس الطريقة يقول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ في معجزة إشباع الجموع «5فَرَفَعَ
يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعاً كَثِيراً مُقْبِلٌ إِلَيْهِ 6فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ
خُبْزاً لِيَأْكُلَ هَؤُلاَءِ؟» وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيَمْتَحِنَهُ لأَنَّهُ
هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا6: 5-6). سأل فيلبس وكأنَّه يُريد أنْ يعرف في نفس الوقت الذي كان
يعرف فيه ما سيعمله.
والخلاصة هي أنَّ الابن يعرف اليوم
والساعة ولكن لم يكنْ من ضمن التدبير الإلهيّ للتجسُّد والفداء الإعلان عنهما، كما
كان يسأل الأسئلة وكأنَّه يجهل ما يسأل عنه وذلك بأسلوب تعليميّ وتصويريّ،
تدبيريًا، ليُوَصِّل الحقائق التي يريد توصيلها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق