الإبن (الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ) لا يعلم الساعة
الجزء الاول
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
«36وَأَمَّا
ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ
مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى24: 36).
«32وَأَمَّا
ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ
الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ13: 32).
هل كان المسيح يجهل يوم وساعة نهاية العالم؟
Ø
الرد:
لقد كان
المسيح يعلم ذلك اليوم وتلك الساعة والدليل علي ذلك:
(1) الابن هو الألف والياء:
(2) هو كلمة الله الذي هو الله:
(3) هو صورة الله الآب المساوي
للآب في الجوهر:
(4) هو شعاع مجد الله الآب وصورة
جوهره:
(5) هو كلي الحكمة والعلم:
(6) هو حكمة الله وقوة الله:
(7) هو الوحيد الذي يعرف الآب
وأنه الوحيد الذي يُعلن عنه:
(8) هو له كل ما للآب من أسماء
وصفات:
(9) هو واحد مع الآب
(10) هو الذي سيأتي في نهاية العالم
في مجد:
(11) سبق أن تعيّن يوم تجسده ومجيئه في ملء الزمان:
(12) شرح لتلاميذه كل دقائق مجيئه
الثاني:
ثانيًا: لماذا قال «ولا الابن»؟
(1) حتي لا يلح التلاميذ في طلب
معرفة ذلك اليوم:
(2) لأنه إتخذ صورة العبد وصار
إنسانًا:
(3) معرفة الله الآب والتدبير الإلهي
للخليقة:
هل كان المسيح يجهل يوم
وساعة نهاية العالم؟!
بعد أنْ تكلَّم الربّ يسوع
المسيح عن حتميّة دمار الهيكل وأنَّه لن يبقي فيه حجرٌ علي حجرٍ إلاَّ ويُنقض،
يقول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ «3وَفِيمَا
هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى
انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ
مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» (إِنْجِيلُ مَتَّى24:
3)؟ وكانت إجابته لهم هي كشفه وإعلانه لكلّ العلامات والأحداث التي ستسبق
ذلك اليوم بكلِّ دقَّةٍ وتفصيلٍ، وختم حديثه مؤكدًا حتميّة إتمام كلّ ما قاله
قائلاً: «25اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ
تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى24: 35). ولكي لا يسأله التلاميذ عن موعد حدوث ذلك قال لهم «32وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ
فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ
وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ13:
32).
وبدلاً من تركيزهم علي اليوم والساعة
والأوقات والأزمنة والسؤال عن متي يحدث هذا ومتي يكون ذلك، طلب منهم أنْ يركِّزوا
علي ضرورة السهر والصلاة لأنَّه سيأتي في يوم لا ينتظرونه وفي ساعة لا يتوقَّعونها؛
«42اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى24: 42). وعند صعوده إلي السماء أكَّد لهم جازمًا أنَّه ليس من
حقِّهم معرفة الأزمنة أو الأوقات لأنَّها تخصّ الآب فقط «7فَقَالَ
لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي
جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ1:
7).
ونظرًا لأنَّه ليس من حقِّ أحدٍ من
البشر معرفة اليوم والساعة أو الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه، لذا
قال الابن، بعد تجسُّده، كإنسانِ، تدبيريًا، بحسب التدبير الإلهيّ والمشورة
الإلهيّة لسرِّ التجسُّد، في حديثه عن اليوم والساعة «» وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ «»، لأنَّه لم
يكنْ من ضِمْن أهداف تجسُّده وخدمته علي الأرض وتعليمه الإعلان عنهما. ولكن البعض،
مثل الأريوسيّين وشهود يهوه، رأوا في عبارة «وَلاَ الاِبْنُ»، دليلاً علي جهله
وعدم معرفته باليوم والساعة، وبالتالي دليل علي أنَّه ليس هو اللَّه ولا مساوٍ
للَّه الآب في الجوهر، بل وأقلّ من الآب!! ورأى بعضٌ آخرٌ، من غير المسيحيّين، في
ذلك دليلاً علي جهله وعدم معرفته بكلِّ شيء، وقالوا أنَّه لا يجهل اليوم والساعة
فقط بل يجهل أمورًا كثيرةً، مثل المكان الذي دُفِنَ فيه لعازر وعدم معرفته بحقيقة
شجرة التين إنْ كانت مُثْمِرَة أم لا، وأنَّه مُجَرَّد نبيّ من البشر، إنسان لا
إله!!
والسؤال الآن هل كان المسيح يجهل يوم
وساعة مجيئه الثاني ونهاية العالم؟ وهل كان يجهل الأزمنة والأوقات؟ وهل كان يجهل
الأماكن وبعض الأمور الأخرى؟
والإجابة هي؛ كلا، فهو، كامل في
لاهوته، ولأنَّه كامل في لاهوته فهو يعرف كلّ شيء، كلِّيّ المعرفة والعِلْم. كما
أنَّه أيضًا كامل في ناسوته، فقد «أَخْلَى نَفْسَهُ»، كما يقول الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بالروح، «آخِذاً
صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ
كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي2:
7-8)، «14وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً
وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ
مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 14)،
«16عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى:
اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس3: 16)، «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ
نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ
غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ8: 9). ولأنَّه إتّخذ جسدًا وصورة العبد
لذا فقد إتّخذ كل ما للإنسان من صفات وخواص، ومن خواص الإنسان أنَّه يجهل ما لم
يتعلَّمه ويكتسبه بالمعرفة. فكإنسانٍ كان من المفروض أنَّه لا يعرف إلاَّ ما
يكتسبه بالتعليم والمعرفة، ولكنَّه هو الابن، كلمة اللَّه وصورة اللَّه وعقل
اللَّه الناطق وقوَّة اللَّه وحكمة اللَّه المُذّخر لنا فيه جميع كنوز الحكمة
والعلم، هو الإله المتجسِّد، الذي يضمّ في ذاته كلّ ما للاهوت وكل ما للناسوت، وهو
شخص واحد وأقنوم واحد، «طبيعة واحدة متحدة لله الكلمة المتجسد»، بغير اختلاط ولا
امتزاج ولا تغيير، أو كما يقول البعض «طبيعتان متحدان بغير انفصال ولا افتراق».
وكان لاهوته محتجب في ناسوته الذي «فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي2:
9). ولذا فقد أشرق لاهوته المتَّحد بناسوته بنور معرفته وعلمه الكلّي علي ناسوته،
كالأقنوم الواحد والمسيح الواحد والربّ الواحد، ومن ثمَّ فقد كان يعرف كلّ شيء،
كالإله المتجسِّد، بما في ذلك معرفة اليوم والساعة. ولكن لأنَّه لم يكنْ من أهداف
تجسُّده ولا من ضمن خدمته علي الأرض الإعلان عنهما فقد قال «وَلاَ الاِبْنُ»
تدبيريًا، بحسب التدبير الإلهيّ للتجسُّد، كان يعرف المعرفة التي لا يجوز الإعلان
عنها، كان يعرف اليوم والساعة ولكن الإعلان عنهما في سلطان الآب وحده.
1) الابن هو
الألف والياء البداية والنهاية الأول والآخر كقوله «23أَنَا
الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ
وَالآخِرُ»(سِفْرُ
رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ22: 23)، الكائن
قبل البشر كما قال «58قَبْلَ أَنْ
يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (أكون)»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا8: 58)، والكائن قبل الخليقة وقبل كل الدهور والأزمان، كما قال في
مناجاته للآب «وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ
بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 5). ولأنَّه البداية والنهاية
والأوَّل والآخر، الموجود قبل كلِّ الدهور والأزمنة والكائن والذي سيكون إلي
الأبد، فلا يمكن أنْ يَخْفَي عليه بداية الأزمان ولا نهايتها، وبالتالي فهو يعرف
اليوم والساعة.
2) هو كلمة
الله الذي هو الله، عقل اللَّه الناطق ونطقه العاقل، «1فِي
الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ
الْكَلِمَةُ اللَّهَ. 2هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 1-2). كما أنَّه خالق كلِّ شيء «3كُلُّ
شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. 4فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 3-4). ولأنَّه كلمة اللَّه الذي
هو عقله الناطق فلا يمكن أنْ يَخْفَي عليه ما هو نتاج فكره وعقله، ولأنَّه الخالق
فهو يعرف خليقته بكلِّ دقَّة متي تبدأ ومتي تنتهي. ومن ثمَّ فهو يعرف يوم وساعة
مجيئه الثاني ونهاية العالم الذي خلقه.
3) وهو صورة الله الآب المساوي للآب
في الجوهر «15اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي1: 15)،
«6الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ
اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ.»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي2:
6). وهو الذي خلق الكون وكلّ ما فيه، الكلّ فيه وبه وله قد خُلق وفيه يقوم وهو مدبِّره
«16فَإِنَّهُ
فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى
وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ
سَلاَطِينَ. 17الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ
قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي1:
16-17). فإذا كان الكلّ به وله وفيه قد خُلق، كما أنَّه فيه يقوم كلّ شيء
كالمدبِّر والمحرِّك والمُعْتَنِي بخليقته، فهل يُعقل أنَّ خالق الخليقة ومدبِّرها
والمُعْتَنِي بها يجهل ما خلقه بنفسه؟!!
4) وهو شعاع
مجد الله الآب وصورة جوهره الذي خلق الدهور والأزمنة، ومُدَبِّر خليقته، مُدَبِّر
الكون ومُدِيره ومُحَرِّكَه «2ابْنِهِ
الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ
الْعَالَمِينَ. 3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ
مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ
قُدْرَتِهِ»(الرِّسَالَةُ
إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ 1: 2-3). فإذا
كان هو خالق الدهور والأزمنة، الماضي والحاضر والمستقبل، فهل يخفي عليه الزمن أو
الوقت الذي سينتهي فيه العالم؟ كيف يكون هو خالق الأزمنة بما فيها المستقبل وكل ما
سيكون فيه ويجهل جزء من الزمن الذي خلقه؟ يقول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ «9الْغَارِسُ الأُذُنَ
أَلاَ يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور94: 9)؟ خالق الدهور والأزمنة ألا يعرف يوم وساعة
نهاية ما خلق؟
5) وهو كلي الحكمة والعلم الذي يحوي
في ذاته كل الحكمة وكل العلم يقول عنه الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ «2لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي
الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ
وَالْمَسِيحِ، 3الْمُذَّخَرِ فِيهِ
جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي2:
2-3). فالحكمةِ كائنةٌ فيه والعلمِ مخزونٌ في ذاته، وقد خلق الكون ويدبِّره
بحكمتِه ويُدْرِك بعِلمِهِ كلّ دقائق خليقته، فهل يجهل اليوم والساعة؟ وهل يحتاج
إلي حكمة مكتسبة أو معرفة وعلم مكتسب مثل سائر المخلوقات ليعرف المستقبل وما فيه؟
6) وهو حكمةُ اللَّه وقوَّة اللَّه «24بِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ1: 24). وقد
خلق اللَّه الآب العالم ويُدَبِّره بكلمتِه وقوِّتِه وحِكْمَتِه، وإذا كان الآب قد
خلق الكون وما فيه وحدَّد اليوم والساعة بكلمتِه وبقوَّتِه وحكمتِه والابن هو
كلمتِه وقوَّتِه وحكمتِه فهو إذًا الحكمة الذي خلق الكون ويُدَبِّرَه وهو الذي
عَيَّن هذا اليوم وتلك الساعة.
7) وقد أكد
أنه الوحيد الذي يعرف الآب وأنه الوحيد الذي يعلن عنه، بل أنَّه هو ذاته، الابن، لا أحد
يعرفه، في جوهره، المعرفة الحقيقيّة سوي الآب «27كُلُّ
شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ
الآبُ وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ
يُعْلِنَ لَهُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى11: 27). لماذا؟
لأنَّه من ذات الآب، كما يقول هو عن ذاته، «29أَنَا
أَعْرِفُهُ (الآب) لأَنِّي مِنْهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا7:
29)، والكائن في حضن الآب «18اَللَّهُ
لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ
هُوَ خَبَّرَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 18). فالذي
هو من ذات الآب وفي ذات الآب والوحيد الذي يعرف الآب ويعلن عنه ألا يعرف خليقته؟
وهل معرفة اليوم والساعة أعظم من معرفة الله الآب؟
8) كما أكد
هو أن له كل ما للآب من أسماء وصفات وألقاب: «15كُلُّ
مَا لِلآبِ هُوَ لِي»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا16: 15)،
وكما قال مخاطبًا الآب «وَكُلُّ مَا هُوَ
لِي فَهُوَ لَكَ وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا17: 10). كما أكَّد أنَّه يعمل كلّ أعمال الله الآب «19لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ (الآب) فَهَذَا
يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا5:
19). ولأنَّه له كلّ ما للآب فله معرفة الآب أيضًا، ومن ثمَّ فهو يعرف كلّ ما
يعرفه الآب، وكما أنَّ الآب كلِّيّ المعرفة والحكمة والعلم فهو أيضًا كلِّيّ
المعرفة والحكمة والعلم، ومن ضمن هذا المعرفة والعلم معرفة اليوم والساعة.
9) كما قال
أيضًا: «30أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا10: 30) و«10أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ
فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي،
لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. 11صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ،
وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 10-11). ولأنَّه واحدٌ مع الآب
في الجوهر، كما أنَّه في الآب والآب فيه، لذا فمن الطبيعي أنْ يكون فيه علم الآب
وحكمته ومعرفته وتدبيره، فهو كلمة اللَّه وعقله الناطق، صورة اللَّه غير المنظور،
قوَّة اللَّه وحكمة اللَّه، المُذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم، ومن الطبيعي
أنْ يعرف اليوم والساعة.
إلى اللقاء في الجزء الثاني
0 التعليقات:
إرسال تعليق