وحدة العهد
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
حقيقة، لا يوجد في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عهد قطعه الله مع الإنسان ثم دعاه «عهد الأعمال». ورغم مطالبة الله للإنسان بالأعمال الصالحة، إلا أن هذا ليس معناه أن الإنسان نجح في أن يرضي الله بأعماله الصالحة. أو أنَّ الله طلب من الإنسان أن يعمل الأعمال الصالحة لكي يستطيع أن يقترب من قداسة الله وسكناه بناءً على أعماله فقط. فالإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أغلق على الجميع في العصيان، إذْ فشل الجميع أن يقتربوا من الله بأعمالهم التي يجب أن تكون صالحة وغير مشوبة لا بضعف بشري ولا بآثام أو نواقص بشرية
.
وحتى لو دعا إقرار إيمان وستمنستر([1]) إلى تقسيم تاريخ الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ (الكتاب المقدس) بأكمله إلى عهدين فقط: «عهد الأعمال» في آدم و«عهد النعمة» في الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ؛ فهذا ليس معناه أن إقرار إيمانهم صحيح أو أنني كإنجيلي يتوجب عليَّ أن أتبع كل محتويات هذا الإقرار
.
فالإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ مفتوح أمام الجميع، لا يحتكره قس أو طائفة أو عقيدة أو حتى إقرارات الإيمان. فلو كانت الإقرارات الإيمانية منذ نشأة الكنيسة كافية لصياغة محتوى الإيمان المسيحي؛ لِمَا كانت الحاجة إلى ظهور إقرار إيمان وستمنستر، أو ما جاء قبله وما جاء بعده. فإقرارات الإيمان المسيحي تحتاج إلى مراجعة من حين لآخر في ضوء كلمة الله وفي ضوء المستجدات الحديثة وأيضا في ضوء ما يستجد من أبحاث ودراسات وعلوم قام بها علماء الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
.
ومن الخطأ اللاهوتي أن نتبع مثل هذا التقسيم. فوحدة العهد هي النبراس الذي نرى به كل تفاصيل كلمة الله. وحدة العهد هي عهد مبنى على النعمة وغايته الفداء، ويصب في صالح تأسيس ملكوت الله في قلب الإنسان أولا ثم انتشاره في الأرض وتأسيسه عليها .
ويخطئ مَنْ يظن أن الله قطع عهد مع آدم بناءً على الأعمال؛ لأسباب عديدة:
أولًا، أنَّ آدم لا يمكنه أن يكون طرف في هذا العهد، طالما أنه عهد أعمال.
ثانيًا، لو كان كذلك، فمعنى هذا أن آدم كان ندًا لله، رأس برأس، ومقامه موازي لمقام الله.
ثالثًا: لم يكن في ذهن الله منذ البداية أن يقترب الإنسان إليه بناءً على استحقاقه؛ لأنَّ الله منذ البداية يعلم عدم استحقاق الإنسان للاقتراب منه، ويعلم أيضًا عجزه. فإذا كان الأمر كذلك، شككَ في صلاح الله. لأنه يطلب من الإنسان العاجز وهو يعمل تمام عجزه بأن يفعل، وهو لا يستطيع أن يفعل؛ ليوقع الإنسان تحت قصاص من الله. ولا بيد الإنسان من حيلة. كان العهد منذ البداية هو عهد نعمة غايته فداء الإنسان، ومع على الإنسان إلا أن يقبل ما صنعه لأجل تميم خلاصه وفداء. وحساب ودينونة الإنسان يتم على هذا الأساس أيضًا، وهو رفض ما صنعه الله، وليس عجز الإنسان أن يفعل الأعمال الصالحة. لأنه مهما حاول دون فداءه؛ لا يستطيع أبدًا أن يؤتي مجرد عمل واحد صالح لا تشوبه ضعف بشري ولا نزعة شريرة ولا دافع غير نقي.
إذا كانَ هناك عهد اسمه «عهد الأعمال» يجب أن ترد على الأسئلة التالية:
هل الله يطلب من الإنسان أمر وهو عالم إنه عاجز عن تتميمه؟
إن هذا يشكك في صلاح الله؟
إذا افترضنا بوجود ما يسمى «عهد الأعمال» فهذا معناه أنَّ أدم كان طرف في إبرام هذا العهد.
إذا كان آدم طرف في هذا العهد؛ فهذا معناه أنه ندًا لله. لأنه لا يدخل مع الله في عهد إلا مَنْ كانَ مثله. وهذا كفر بألوهية الله.
إن كانَ هناك أكثر من عهد قطعه الله مع الإنسان وغير عهوده؛ فهذا معناه أن الله يمكنه أن يغير حتى عهد النعمة. وبالتالي ينتفي أن يكون عهد النعمة عهد أبدي. لأنَّ الله يمكنه أن يغير هذا العهد.
بناءً على كل ما سبق، ليس أمامنا إلا وحدة العهد، أي عهد واحد من البداية إلى النهاية، من الأزل إلى الأبد هو عهد النعمة الذي غايته الفداء.
[1] يعَد إقرار إيمان وستمنستر مرجعًا هامًا للحقائق الكتابيّة يتّسمُ بالغنى اللاهوتي ويقدمُ شرحًا كتابيًّا منظّمًا لأساسيات الإيمان المسيحي. تم إصدار هذا الإقرار في عام ١٦٤٦ م، وهو يتميّز بعمق مضمونه وشموليّة ودقة تعاليمه مستندًا على الآيات الكتابيّة لكل حقيقة إيمانيّة مذكورة في كل فقرة وجملة فيه. لقد تبنّت العديد من الطوائف المسيحيّة المُصلحة حول العالم إقرار إيمان وستمنستر باعتباره الوثيقة الإيمانيّة واللاهوتيّة الرسميّة لها بعد الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق