هل هناك فرق بين العهد القديم والعهد الجديد؟
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
للأسف يُفرِّق معظم الوعاظ والقسوس والخدام بين أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) والعهد الجديد باعتبار أنَّ أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) هو عهد الناموس والعهد الجديد هو عهد النعمة. هذا الكلام عارٍ من الصحة وبعيد كل البعد عن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. فمقاصد الله منذ الأزل ثابتة وواحدة من نحو الإنسان. فلم يُقَسِّم الله تعاملاته مع الإنسان إلى عصور. عصرٌ يكون فيه غاضب وعصر آخر يكون فيه مملوءً بالحب. عصر يسوده الناموس وعصر تسوده النعمة.
الذي يحكم علاقة الله بالإنسان منذ الأزل وإلى الأبد هو علاقة ذات وجوهر المحبة. وعندما يغضب الله، فإنَّ غضبه يكون مدفوعًا بجوهر محبته. أي الدافع من غضب الله علاجي تصحيحي؛ لا انفعال غاضب هدفه العقاب والدينونة أو الهلاك والتدمير والفناء.
أما الذين يقسمون تعاملات الله مع الإنسان إلى عهدين أو عصرين: عصر أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) وعصر العهد الجديد؛ فهم مخطئون. وقراءتهم لنصوص الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ في الإِنْجِيل (الكتاب المقدس) قراءة سطحية. لماذا؟ لأنهم رأوا أنَّ أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) مملوء بحوادث تدخل فيها الله تدخلا مباشرًا بالدينونة والعقاب. ولم يروا في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ في الإِنْجِيل (العهد الجديد) حوادث مماثلة تدخل فيها الله أيضًا تدخلا مباشرا بالدينونة والعقاب. فكما أنَّ أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) يحتوي على نصوص عقاب ودينونة؛ فالإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ في الإِنْجِيل (العهد الجديد) أيضًا يحتوي على نصوص عقاب ودينونة. وكما أن صفحات الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ في الإِنْجِيل (العهد الجديد) مملوءة بنصوص النعمة والمحبة؛ فبالمثل أيضًا صفحات أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) مملوءة بنصوص النعمة والمحبة. فإله أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) هو هو نفسه إله الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ في الإِنْجِيل (العهد الجديد).
أما مرحلة إعطاء الناموس الموسوي المدني والطقسي لبني إسرائيل فهي مرحلة مؤقتة، عندما كانت فيه إسرائيل في مرحلة الطفولة لا تحتمل الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ. فحقيقة التدرج في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ هي حقيقة دامغة واضحة لا يستطيع أن ينكرها أي دارس للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. ويجب أن نضع هذه الحقيقة في اعتبارنا عندما نقترب من قراءة وتفسير نصوص الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وتحديدًا ونحن نقرأ نصوص أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم).
إن الناموس الطقسي والمدني قد هدمه الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بكل ما فيه من فرائض وأحكام. أما الوصايا، ناموس الوصايا العشر، فهو الناموس الذي قصده الله من الإنسان على مر العصور لا ينسخ ولا يتغير. والدليل على ذلك أن الله نقشه بأصبعه على لوحي مصنوعين من الصخر. فالكتابة المنقوشة على الصخر لا تمحى ولا تنسخ. أما الناموس المدني فكان قانونًا تنظيميًا ينظم الدولة اليهودية الوليدة. والناموس الطقسي، كان عبارة عن مجموعة من الطقوس والذبائح والتقدمات. والناموس الطقسي أبطله الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بذبيحة نفسه التي قدمها لله مرة واحدة لا تتكرر؛ فدخل بها قدس أقداس الله، وليس “قدس أقداس” مصنوع بأيدي الناس. تَقدَّمَ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ إلى الله بدم نفسه المعروف لأبيه قبل تأسيس العالم، لا بدم تيوس وعجول وكباش.
وبناءً على ما سبق، يجب أن نفسر نصوص أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) في ضوء الأصل الذي لا يتغير، أي في ضوء الوصايا العشر التي نقشها الله على لوحي الصخر وأعطاها لموسى، لا في ضوء الوصايا المؤقتة التي كانت تنظم الدولة اليهودية الوليدة ولا في ضوء الناموس الطقسي والمدني.
وبهذا المدخل ينفتح أمامنا أَسْفَارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم) بكل نصوصه السامية وتخرج النعمة من بين سطوره. ما أعظم وأعجب كلمة الله، فهي وحدها التي تنير ذهن الإنسان والتي تردع طريق ضلاله. فالإنسان المشوش العقل بهموم العالم لا يستطيع أن يهدأ ليسمع صوت الله. نسمع فقط صوت الله واضحًا، ونحن نقرأ النصوص المقدسة، عندما نُسَكِن نفوسنا ونخلي ذواتنا من كبريائها، ونهيئ عقولنا لسماع ما يقوله الله بالروح لنا. فروح الله يهمس في قلوبنا همسًا خفيفًا عندما تكون قوبنا غليظة، ويطن أذاننا عندما تكون قلوبنا مرهفة متهيئة بعيدة عن ضوضاء هذا العالم.
وفي النهاية عزيزي القارئ، لا تفرق بين النصوص المقدسة على أنها نصوص عهد قديم، ونصوص أخرى كأنها نصوص عهد جديد. ولا تسمع لمَنْ يصنعون مثل هذا التفريق. لأنَّ الله منذ البداية جعل عهد النعمة هو الذي يحكم علاقته بالإنسان.
هل يوجد في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عهد اسمه “عهد الأعمال”؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق