المطهر في فكر أصحابه
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
أن كلمة (المطهر) لم ترد
في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كله. وبالتالي لم ترد في كل تفاسير
الآباء الأول للإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. ولي نصيحة أقدمها للذين يؤمنون بالمطهر بكل حب، ومن عمق أعماق قلبي، وهي الصلاة لنفسك ولي «18صَلُّوا لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيراً صَالِحاً،
رَاغِبِينَ أَنْ
نَتَصَرَّفَ حَسَناً فِي كُلِّ شَيْءٍ»(الرِّسَالَةُ إِلَى
الْعِبْرَانِيِّينَ13: 18). «1فَتَفَرَّسَ بُولُسُ فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ: «أَيُّهَا
الرِّجَالُ الإِخْوَةُ إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلَّهِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ23: 1)، ومن أجل خبرهم...
Ø عرف المطهر:
هو في اعتقاد الذين يؤمنون بالمطهر حالة، أو هو مكان، أو هو حالة ومكان...هو نار وعذاب، وحبس، واعتقال. هو عقوبات، ووفاء قصاص، وعملية تكفير...
وسببه هو أن توفي النفس للعدل الإلهي، الديون التي غادرت النفس هذا العالم وهي مثقلة بها. سواء كانت هذه
الديون، هي جرم الخطايا العرضية، أو بقايا أو آثار الخطايا المميتة
المغفورة من جهة الذنب، وليس من جهة العقوبة.
Ø تكفير أم عقوبة ؟!
ويعرف الذين يؤمنون بالمطهر، بأنه مكان وحالة للتطهير بواسطة عقوبات زمنية. وقد حدد مجمع
ليون ومجمع فلورنس «أن الذين يخرجون من هذه الحياة، وهم نادمون حقيقة
وفي محبة الله، لكن قبل أن يكفروا عن خطاياهم وإهمالاتهم بأعمال توبة وافيه،
تتطهر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهرة». [مجمع ليون، ومجمع فلورنس] (مختصر في علم
اللاهوت العقائدي ج 2 ص 150، 151).
الذين يؤمنون بالمطهر فكرهم يقسم العذاب لنوعين:
أ – عذاب الخسران، أو
عذاب الحرمان. «وهو
الحرمان من رؤية الله والتمتع به. ولكن هذه العقوبة تقترن دائمًا بالثقة
الوطيدة في السعادة الأخيرة [بعد المطهر]. لأن الموتى في المطهر يعرفون أنهم أبناء
الله وأصدقاؤه. ويتوقون إلى الاتحاد به اتحادا صميمًا. فيزيدهم شعورهم هذا
ألمًا بهذا الفراق المؤقت» (مختصر في علم اللاهوت العقائدي ج 2 ص 150، 151).
والعذاب الآخر هو عذاب الحواس. ويجمع علماء اللاهوت على أن عذاب الحواس يضاف إلى عذاب الحرمان (مختصر
في علم اللاهوت العقائدي ج 2 ص 150، 151). وهنا تبدأ مناقشة مشكلة (النار) والخلاف
حولها...وقد ورد في كتاب (اللاهوت النظري، لالياس الجميل) إن «النفوس المعتقلة في
المطهر تكابد عذاب الخسران يفقدانها الخير الأعظم. ولكن هذا العذاب لا يسقطها في
اليأس، لأنها ترجو الفوز يومًا ما بالسعادة السماوية»(مختصر في علم اللاهوت
العقائدى – ج 2 ص 151، ص 152).
«وفوق ذلك أنها تقاسي عذاب
الحس كما يستدل عليه من أقوال الآباء ومن كلام المجمع الفلورنتيني الذي قال عن هذه
النفوس» إنها تطهر بالعذابات»(مختصر في علم اللاهوت العقائدى – ج 2 ص 151، ص 152).
وجاء في قرارات مجمع ترنت (جلسة 14 فصل 8). «التائب يتكبد تلك
القصاصات، لكي يفي عدل الله الذي أهانه بخطاياه». ورد في كتاب اللاهوت النظري، لالياس
الجميل: العقاب الزمني تستوجبه الخطايا المرتكبة بعد المعمودية، لا
يترك بمحو الذنب... والحال أنه كثيرًا ما يتفق أن يموت البعض مثقلين بخطايا عرضية،
وأن بعض الصالحين يموتون قبل أن يتمموا وفاء ما يلزمهم من الكفارة عن العقاب
الزمني المرتب على الخطيئة المميتة فما الحكم على مثل هؤلاء: أنهم يهلكون، ولكن
هذا مناف للصواب؟! أم أنهم يفوزون بالغبطة السماوية، وهم ملطخون بالدنس، وهذا
أيضًا بعيد عن المعقول؟! أم أنهم بمجرد موتهم ينقون من كل إثم (اللاهوت النظرى
لالياس الجميل ج 2 ص 498).
وهذا ما لا دليل عليه؟! بقي إذ التسليم بأنه يوجد بعد الموت حال غير ثابتة فيها تطهر النفوس
من كل دنس قبل دخولها فردوس الأبرار وهذه الحال هي المطهر.
Ø
نار المطهر
وقد حدث اختلاف في طبيعة هذه النار: هل هي نار مادية أم لا. «فالآباء اللاتين يقولون إنها نار فيزيقية
(طبيعة)». ويقول كذلك العديد من علماء اللاهوت الحديثين، معتمدين على ما ورد في «15إِنِ
احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ وَلَكِنْ كَمَا بِنَارٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ3: 15). ولكن الإعلانات الرسمية الصادرة عن المجامع، التي أثارها
اليونان الأرثوذكس المنكرون لوجود نار مطهرة، تتكلم فقط عن عذابات مطهرة، لا عن
نار مطهرة (اللاهوت النظرى – لالياس الجميل ج 2 ص497).
الآباء اللاتين أخذوا النار على المعني الحرفي. وقالوا بأنها نار
فيزيقية للتطهير، جعلت لتمحو الخطايا العرضية التي لم يكفر عنها.
وقد ورد في كتاب (اللاهوت النظري، لالياس الجميل):«أما القول بوجود
نار حقيقية في المطهر، فهو رأي كثير
الاحتمال، لإجماع اللاهوتيين عليه، ولأن كثيرًا من الآباء قالوا به. إلا إنه ليس إيماننًا».
Ø
فإيماننا في الإِنْجِيل هو: «كَمَا بِنَارٍ» = تشبيه مثل المثل ك:
«11قَلَبْتُ بَعْضَكُمْ كَمَا قَلَبَ اللَّهُ سَدُومَ
وَعَمُورَةَ فَصِرْتُمْ كَشُعْلَةٍ مُنْتَشَلَةٍ مِنَ
الْحَرِيقِ فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ يَقُولُ الرَّبُّ»(سِفْرُ عَامُوسَ4: 11).
«2فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «لِيَنْتَهِرْكَ
الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ. لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ. أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟»(سِفْرُ زَكَريَّا3: 2).
«18وَإِنْ كَانَ الْبَارُّ
بِالْجَهْدِ يَخْلُصُ، فَالْفَاجِرُ وَالْخَاطِئُ أَيْنَ يَظْهَرَانِ؟» (رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى4: 18).
«8اُصْحُوا
وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ
زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى5: 8).
«12وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا
نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا»(إِنْجِيلُ مَتَّى6: 12). «16هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ
فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ
وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى10: 16).
«40لأَنَّهُ كَمَا كَانَ
يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ،
هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ
وَثَلاَثَ لَيَالٍ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى12: 40).
«40فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ،
هَكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هَذَا الْعَالَمِ:»(إِنْجِيلُ مَتَّى13: 40).
«23وَخَلِّصُوا
الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ،
مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ»(رِّسَالَةُ يَهُوذَا الرَّسُولِ آية 23).
Ø
عذابات المطهر
يتحدث المجمع التريدنتيني عن «عذاب زمني يجب علي الخاطئ
التائب وفاؤه، في هذا العالم، أو في الآتي في المطهر، قبل أن يفتح له طريق
الملكوت السماوي».[الجلسة 6 – قانون 3].
وقيل في كتب أصول الإيمان، في كتاب التعليم المسيحي الذي أصدرته
الرابطة الكهنوتية ببيروت – المطبعة الكاثوليكية سنة 1964م.
411 – ما مصير النفس بعد الموت؟
بعد الموت تمثل النفس أمام الخالق، لتؤدي حسابًا عن أعمالها. وهذه هي
الدينونة الخاصة – هل النفس البارة السماء حالًا بعد الدينونة الخاصة الجزاء
العادل.
417 – هل تدخل النفس البارة السماء حالًا بعد الدينونة؟
إن النفس البارة بعد الدينونة الخاصة، غالبًا تدخل المطهر، وهو عذاب
أليم، به تفي النفس ما تبقي عليها من عقاب زمني.
هذا هو ما يتعلمه أولادنا في المدارس الكاثوليكية عن
المطهر...
ويقول الأب لويس برسوم في كتابة (المطهر) ص5 عن العذابات الجهنمية «المقصود
هنا بالعذابات الجهنمية، كما لا يخفى، هو العذابات المطهرية التي لا فرق بينها
وبين العذابات الجهنمية، إلا فيما عدا أن الأولى دائمة والثانية مؤقتة»!!
Ø من سيكون
في المطهر؟!
يقسم الذين يؤمنون بالمطهر كل البشر إلى ثلاثة أنواع:
أ – نوع بار كامل
صالح، وهذا يذهب إلى السماء،
مباشرة بعد الموت.
ب – نوع شرير. وهذا يذهب مباشرة إلى جهنم.
ج – نوع ثالث مؤمن، وبار، ومحب لله. ولكن عليه للعدل الإلهي ديونًا لم يقم بوفائها بعد. وهذا يذهب إلى
المطهر. وهذا النوع يشمل غالبية البشر.
وهذه الديون إما بسبب الخطايا العرضية
التي لم يقدم عنها توبة، أو فجأة الموت قبل التوبة. أو بسبب خطايا مميتة تاب عنها،
وغفرت له، ونال الحل عنها. ولكنه مات قبل أن يوفي حسابها من العقوبة. وقد حدد
مجمع ليون ومجمع فلورنس «أن الذين يخرجون من هذه الحياة، وهم نادمون حقًا،
وفي محبة الله، ولكن قبل أن يكفروا عن خطاياهم وإهمالاتهم بأعمال توبة وافية،
تتطهر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهرة»(مختصر في علم اللاهوت العقائدي ج 2 ص 150،
151). وفي شرح هذه الأنواع الثلاثة قال الأب لويس برسوم في كتابة (المطهر): «وإنه
طبقًا لهذه الدينونة الخاصة، لا الدينونة الخاصة، لا الدينونة العامة، يتقرر
مصير الإنسان الأبدي: فإن كان صالحًا كل الصلاح، يذهب توا إلى السماء كلِعَازَرُ
الْمِسْكِينُ «22فَمَاتَ
الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى
حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ»(إِنْجِيلُ
لُوقَا16: 22). «أما إذا كان
شريرًا الشر كله، فإنه يذهب إلى جهنم النار، مثل ذلك الغني الذي يذكره البشير لُوقَا في «24فَنَادَى
وَقَالَ: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ
طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا
اللَّهِيبِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا16:
24).
أما إذا كان بين، أي صالحًا الصلاح كله، ولا شريرًا كله، كما هي الأغلبية
الساحقة من بني البشر، فإنه يذهب إلى المطهر، إلى ما شاء الله أو بالحر كما
يقول الإِنْجِيل: «26اَلْحَقَّ
أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى
تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ! (عليه للعدالة الإلهية)»(إِنْجِيلُ مَتَّى5:
26).
ثم يعود المؤلف ليشرح فكره «بتعبير آخر» فيقول: «من مات وهو حالة «النعمة المبررة»
وليست عليه أية ديون نحو العدل الإلهي يفي بها، كالطفل المعمد مثلًا، فإنه يذهب
إلى السماء مباشرة، حيث يعاين الله وجهًا لوجه إلى الأبد «12فَإِنَّنَا
نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ
أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ13: 12). «وأما إن مات مجردًا من حلة العرس «النعمة
المبررة» «1وَجَعَلَ
يَسُوعُ يُكَلِّمُهُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ قَائِلاً: «2يُشْبِهُ مَلَكُوتُ
السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً صَنَعَ عُرْساً لاِبْنِهِ، 3وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى
الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. 4فَأَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا
لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ
ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ! 5وَلَكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى
حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، 6وَالْبَاقُونَ
أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. 7فَلَمَّا
سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولَئِكَ
الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. 8ثُمَّ
قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ
فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. 9فَاذْهَبُوا
إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى
الْعُرْسِ. 10فَخَرَجَ أُولَئِكَ
الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَاراً
وَصَالِحِينَ. فَامْتَلَأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ. 11فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ
الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَاناً لَمْ يَكُنْ لاَبِساً لِبَاسَ
الْعُرْسِ. 12فَقَالَ لَهُ: يَا
صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟
فَسَكَتَ. 13حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ
لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي
الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 14لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ
يُنْتَخَبُونَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22:
1-14)، أي من كان ضميره مثقلًا بوزر الخطة المميتة التي لم يتب عنها، فإنه يذهب من
فوره إلى عذاب اللهيب الأبدي».
«وأما من فارق الحياة، وهو في حالة النعمة المبررة، ولكن ضميره كان
مثقلًا الخطايا، مما يغفر في الدهر الآتي، فإنه يذهب إلى المطهر لينال مغفرة
تلك الخطايا، لا بالحل منها كما في سر التوبة، بل بالحل منها عن طريق تطهيره
بنار المطهر»(الأب لويس برسوم «كتابة (المطهر)» (ص21).
ويقول نفس المؤلف أيضًا في نفس كتابة ص13 عن حالة النفس عند الموت: «وأما
إذا كانت مذنبة بذنوب عرضية، ومن ثم حاجة إلى تطهير، فإنها تحت وقر هذه الذنوب،
تحس بحالة الانسحاق، بحيث أنها تنحدر إلى المطهر من تلقاء ذاتها». أما متى
تنتهي العقوبة في المطهر، فيقول المؤلف في ص21: «حتى إذا ما تطهرت النفس
تمامًا من كل شائبة خطية، وأوفت ما تبقي عليها من قصاصات زمنية مرتبة على خطاياها
المميتة المغفورة، أدخلت من فورها إلى السماء، مقر الطوباويين
من الملائكة والقديسين».
ويقول نفس المؤلف في ص21 أيضًا تعليقًا على قول الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ إن التجديف
على الرُّوحِ الْقُدُسِ لا مغفرة له في هذا الدهر، ولا في الدهر الآتي «32وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ
لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ
فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي» (إِنْجِيلُ
مَتَّى12: 32). ويقول: معني ذلك
أن هناك من الخطايا ما يغفر في الدهر الآتي.
فإذا سألت: «ما هي الخطايا التي تغفر في الدهر الآتي؟»...أَجَبتَك
أنها الخطايا غير الثقيلة، أي الخطايا العَرْضِيَّة، كالخطايا التي تصنع دون معرفة
كاملة، أو دون إرادة كاملة، وكخطايا السهو إلى ذلك.
ويخلص من ذلك أن هذه الخطايا عقوبتها في المطهر (ص22). ذلك «لأن
الخطايا الثقيلة، لما كان عقابها جهنم هي أبدية، إذن فهي غير قابلة للمغفرة في
الدهر الآتي»(ص21).
Ø مكان المطهر
ورد في كتاب (اللاهوت النظري، لالياس الجميل): «وأما ما يتعلق بمكان
المطهر، فغير محقق. وقد ارتأى الرَّسُولِ توما أنه في أسفل الأرض حيث هي جهنم،
بحيث أن النار التي تعذب الهالكين في جهنم، هي عينها تطهر الصالحين في
المطهر». )الأب لويس برسوم «كتابة (المطهر)» ص21).
وهو يحاول أن يثبت أن المطهر هو السجن، من قول الإِنْجِيل: «25كُنْ
مُرَاضِياً لِخَصْمِكَ سَرِيعاً مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلا
يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى
الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. 26اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ
حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 25و26). ويقول عنه
أيضًا إنه «مكان الألم والكآبة والتنهيد» (الأب لويس برسوم «كتابة (المطهر)» ص22).
ومن العجيب إن الذين يؤمنون
بالمطهر في حالة لإثبات وجود المطهر من آيات
الإنجيل، اعتمدوا على قول الإِنْجِيل: «10لِكَيْ
تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى
الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي2: 10). فقال الأب لويس برسوم في كتابة (المطهر) ص26. «ولكن من هم الذين
يجثون باسمه تحت الأرض؟ تري، هل هم الهالكون الذين في جهنم؟ كلا بالطبع...».
وإذن فلا مفر من الاعتقاد بأن الذين تجثو لاسم الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ ركبهم
تحت الأرض، هم النفوس المعتقلة إلى الحين، في ذلك المكان الواقع في باطن الأرض
والذي أعده الله لتطهير الذين ينتقلون من عالمنا إلى العالم الآخر، ولا تحلو
نفوسهم من بعض الشوائب والعيوب، التي تحرمها مؤقتًا من دخول السماء. والنتيجة هي.
شئنا أم أبينا – فلابد من التسليم بوجود المطهر»!!
Ø
سجن واعتقال وتعذيب المطهر
إذن هنا تعليم بأن المطهر هو سجن تحت الأرض، في باطن الأرض، يذهب
إليه الذين لهم بعض الشوائب ليتطهروا...
وتعبير السجن أو الاعتقال قرره مجمع تريدنت Council of Trident للكاثوليك: الذي قرر في
جلسته الخامسة والعشرين أنه «لما كانت الكنيسة الكاثوليكية التي يرشدها
القدس، قد علمت في مجامعها المقدسة، وحديثًا في هذا المجمع
المسكوني بآثمة مطهرًا، وأن النفوس المعتقلة فيه تساعد بصلوات المؤمنين ولا
سيما بذبيحة المذبح الكفارة، فإن هذا المجمع يوصي الأساقفة بأن يهتموا الاهتمام
كله بأن يؤمن المؤمنين بهذا التعليم الصادق عن المطهر...».
5 – الأب لويس برسوم: المطهر ص39، 40.
وقيل في تعريف المطهر أيضًا إنه: «حبس يدعي نار المطهر فيه أنفس
الأتقياء إلى زمان معين ومحدود، وتتطهر لكي تقدر أن تدخل الوطن السماوي وبلادها
الأبدية، التي لا يدخل إلها شيء نجس». «تذهب
إليه نفوس الأبرار بعد الموت: إما لتتطهر من خطاياها الطفيفة، أو لتوفي عن قصاصات
الخطايا المغفورة، إن لم تكن قد وقت عنها وهي على الأرض». وقيل عن المطهر «يدخل
إليه جميع الذين يموتون في الكنيسة الكاثوليكية، ولكنهم لم يوفوا بعد قصاص
خطاياهم الزمني بكامله، بحسب قانون سر التوبة وهو مكان عذاب».
Ø
المطهر وتاريخه!!!
الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كله، من أول سفر التكوين إلى آخر سفر الرؤيا، لا تجد فيه
عبارة المطهر، لا في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، ولا
في الأناجيل ولا الرسائل، ولا في أي سفر من الأسفار. فمتى
عرفت هذه العبارة؟!
يقول الأب لويس برسوم الفرنسيسكاني في كتابه (المطهر) ص40: وأما الذي
قرر أن يسمي «مكان تطهير النفوس» باسم (المطهر)، وذلك بناء علي التقليد الشائع
وقتذاك وسلطة الآباء القديسين، فهو البابا أينوشنسيوس الرابع في خطاب له
لأسقف توسكولو (مدينة بجوار رومه 6 مارس سنه 1254 أي في منتصف القرن الثالث عشر.
وهنا نسأل: ما هي المجامع الكاثوليكية
التي قررت المطهر؟
يجيب نفس المؤلف في صفحة 39 من كتابة: «هذه العقيدة حددها كل من مجمع
لاتران المسكوني Fourth Council of the
Lateran سنة 1215، ومجمع ليون المسكوني
(1545– 1563) Council of Lyon. وأيداها تأييدًا كاملًا آخر مجمع
مسكوني، ألا وهو مجمع فاتيكان الثاني Second Vatican Council بقوله «إن هذا المجمع يتقبل، بعمق التقوى، إيمان أجدادنا المبجل،
الخاص بهذه الشركة الحيوية القائمة بيننا وبين أخوتنا الذين وصلوا إلى المجد
السماوي، أو الذين لا يزالون يتطهرون بعد موتهم».
منه هنا نري أن عقيدة المطهر لم تقرر عند الكاثوليك إلا في
القرن 13، وتثبتت عندهم في القرن 15. وقد عارضها جميع المسيحين في العالم، سواء الكنائس الأرثوذكسية القديمة، التي رفضت مجمع
خلقدونية سنة 451 م، أو الكنائس الأرثوذكسية القديمة، التي انبثاق الروح في القرن
الحادي عشر، أو الكنائس البيزنطية التي رفضت أمور عديدة جدًا منذ القرن 15.
وأصبحت الكاثوليكية -في قضية المطهر- تواجه كل هؤلاء.
Ø
المطهر ونهايته!!!
يري الذين يؤمنون بالمطهر أنه لا بقاء للمطهر بعد الدينونة العامة. فقد ورد في
كتاب (مختصر في علم اللاهوت العقائدي)9 الجزء الثاني ص 153، 154. لن يدوم المطهر
إلى ما بعد الدينونة العامة (قضية عامة).
«بعد ما صدر الديان الأعظم حكمة» «24ثُمَّ جَاءَ أَيْضاً الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ
الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ،عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ
حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ...«41ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ
الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ
الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،»(إِنْجِيلُ مَتَّى25: 24و41)، «لن يكون غير
السماء والجحيم». «أما المدة المحددة للامتحان المطهر، فلا سبيل إلى معرفته لكل
نفس بمفردها»، ويقول أيضًا «يدوم المطهر لكل نفس إلى أن تتطهر من كل إثم وعقاب
وعندئذ تدخل مطهرة إلى النعيم السماوي».
وورد في كتاب اللاهوت
النظري لالياس الجميل ص498: «إنه من المحقق أيضًا أن المطهر لا يتجاوز
يوم الدينونة الأخيرة. وأن العذابات فيه تختلف شدة وخفة
باختلاف الخطايا التي تكفر النفوس فيه عنها».
Ø
مساعدات للنفوس الذين
في المطهر
وسط العذابات التي
يكابدها المعتقلون في المطهر، تعلم الكنيسة الكاثوليكية بأن هؤلاء يساعدهم
بصلوات المؤمنين، وبتقديم ذبيحة الأفخارستيا المقدسة. وبالأعمال الصالحة التي
للمؤمنين، كالاحسانات.
هناك مساعدة أخري
من القديسة العذراء، التي يلقبها الذين يؤمنون بالمطهر بسيدة المطهر. وقيل أيضًا إن البابا له سلطان على تخفيف
العقاب. وقيل إن النفوس التي فيه تعان بصلوات الأنبياء بذبائح المذبح المرضية. وعن
الذين يدخلون المطهر، ورد في معجم اللاهوت الكاثوليكي، الذي ترجمة المطران عبده
خليفة، عن المطهر منذ العصور الوسطي، ليدل على مراحل التطهير والإنسان يخضع لهذه
المراحل التطهيرية، إذ يموت مبررًا بالنعمة، بمقدار ما تكون حالة «العقاب»
المستحق لا تزال موجودة فيه. و«لم تزال بزوال الخطايا بالغفران يوم
التبرير». ويقول «يجب أن لا تمنعنا كلمة المطهر من أن نجد كلمة أصح وأحسن لتدل على
هذه المراحل التي نوهنا عنها. علمًا بأن النظريات النفسانية والتربوية لا تخبزها
كثيرًا (وهذه الملاحظة تنطبق خاصة على الكلمة الألمانية Fegfeuer التي
تعني حرفيًا: النار المطهرة (ملاحظة المترجم).
Ø
عقيدة الذين يؤمنون
بالمطهر
إن المطهر مكان عذاب،
وعذاباته تشبه عذابات جهنم. وهو مكان سجن واعتقال، ويوجد تحت
الأرض، كالهاوية. وهو نار، أيًا كان نوع هذه النار...وهو للقصاص، حتى
للخطايا المغفورة. ويدخله الغالبية العظمى من البشر، الأبرار الأتقياء، من محبي
الله وأولاده...حتى من أجل الشهوات والهفوات، والخطايا غير الإرادية، والتي
بغير معرفة... أتراه يعطى صورة عن عدل الله وقداسته، كما يقال؟! ولكنه لا يعطى
صورة عن محبة الله، «16لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى
بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ
تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 16). إن هذا هو المطهر:
المطهر هو أسوأ صورة للحياة بعد الموت!
وإلى اللقاء في
المطهر يبطل فكر الكفارة والفداء
0 التعليقات:
إرسال تعليق