أهمية الضَّمِير كإعلان الله في الإِنْسَان
إعداد
د. القس سامي منير إسكندر
Ø
طبيعة الضَّمِير
حدث مرةً أن امرأة فقيرة سرقت شيئاً من محل تجاري وخرجت به دون
أن يراها أحد، وفي طريقها إلى البيت أزعجها شعورٌ جعلها مضطربة حتى فقدت سلامها
الداخلي. فكان عليها أن ترجع وتُعيد الشيء المسروق إلى مكانه، ثم رجعت إلى بيتها
مع شعورها بالراحة الداخلية. وتوجد أمثلة بلا عدد مشابهة لذلك لأُناس يُجبَرون على
عمل ما هو صواب، وليس ما يريدونه. كل
إِنْسَان
يألف صوته الداخلي الذي يتهمه في بعض الأحيان ويُضيِّق عليه، وفي أحوالٍ أخرى يجلب
له السرور. هذا الصوت الرقيق إنما هو شعور فطري يُدعَى «الضَّمِير». وهو بطبيعته شَرِيعَة
روحية تُفرِّق بين الخير والشر بوضوح وبسرعة أكثر من الذهن. ومَن يستمع لصوت ضَّمِيره لا
يندم قط أو يخجل من سلوكه.
في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يُسمَّى الضَّمِير «القلب».
وفي العظة على الجبل شبَّه الرب يسوع الضَّمِير بالعين، لأن الإِنْسَان يُقيِّم بها حالته
الأخلاقية، إذ قال: «22سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ
عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، 23وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ
كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَماً
فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى6: 22و23). كما أنه شبَّه الضَّمِير بالندِّ الذي به يجب على الإِنْسَان أن
يعود إلى صوابه قبل أن يتواجد أمام دينونة الله: «25كُنْ مُرَاضِياً لِخَصْمِكَ سَرِيعاً مَا دُمْتَ مَعَهُ
فِي الطَّرِيقِ، لِئَلا يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي،»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 25).
فكلمة «خصم» تؤكِّد على موقف الضَّمِير، وهو أنه يُقاوم رغباتنا ومقاصدنا الشِّرِّيرِة.
وقد أقنعتنا خبرتنا الشخصية أن الضَّمِير ليس تحت سيطرتنا، ولكنه يُعبِّر عن ذاته
تلقائياً رغماً عن إرادتنا. فكما أنه لا يمكننا أن نقنع أنفسنا أننا شباعَى عندما
نكون جياعاً، أو أننا مستريحون عندما نكون متعبين، هكذا لا يمكننا أن نقنع أنفسنا
أن سلوكنا صحيح عندما يُخبرنا ضَّمِيرنا بغير ذلك.
ويرى البعض في الآية: «48حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ»(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ9: 48)، أنَّ هذا الدود هو الضَّمِير الموبِّخ الذي يظل يُبكِّت الخطاة في
عذاب الحياة المزمعة. ويصف الشاعر الروسي «بوشكين» هذا العذاب قائلاً عن الضَّمِير: «إنه
ضيفٌ غير مدعوٍّ، مُخاطِبٌ مزعج، دائنٌ عنيف»!
Ø
الضَّمِير هو ناموس طبيعي شامل:
لقد غرس الله في طبيعة الإِنْسَان صورته الإلهية التي تجذب الإِنْسَان نحو
كل ما هو صالحٌ، وتُجنِّبه كل ما هو شرير. هذا الناموس الداخلي يعمل بواسطة صوت الضَّمِير
الذي يُعتبر حقّاً أنه صوت الله في الإِنْسَان. فهو جزءٌ مُكمِّلٌ للطبيعة البشرية،
وهو نشيط في الناس أجمعين، بصرف النظر عن أعمارهم وأجناسهم ودرجة تعليمهم أو
تطوُّرهم. وهو، حتى في القبائل البدائية، يُميِّز بين ما هو صالح وما هو طالح،
وبين الفضيلة والرذيلة. والجميع يتفقون في أن الخير يستحق الجهاد من أجله، وأنَّ
الشر ينأى الإِنْسَان
بنفسه عنه، وأنَّ الخير يستحق المديح، والشر يستحق اللوم. ورغم أنهم في الأحوال
الفردية ربما لا يتفقون في تسمية نفس الشيء خيراً أو شرّاً، ومع ذلك فإنهم
يتفقون في المبدأ: إنَّ الخير هو الذي يجب عمله، والشر يجب تجنُّبه.
والتناقض العَرَضي في تصنيف بعض التصرفات كخير أو شر، يبدو أنه
يتأتَّى من الظروف الخاصة التي تتطور فيها الأُمة.
إنه مبدأٌ متعارف عليه عالمياً، أن المرء يجب ألاَّ يعمل
للآخرين ما لا يرغب أن يعملوه هم له «12فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ
افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ
وَالأَنْبِيَاءُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى7: 12)، «31وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ
افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هَكَذَا»(إِنْجِيلُ
لُوقَا6: 31). والرذيلة تطلب في كل مكان أن تختبئ أو على الأقل أن تلبس
قناع الفضيلة. والرسول بولس يشرح بشيء من التفصيل كيف يعمل الناموس الأخلاقي في الإِنْسَان، فهو
يُوبِّخ الذين يعرفون ناموس الله المكتوب، ولكنهم يتعدّونه بتعمُّد. إنه يُماثلهم
بالوثنيين الذين «14لأَنَّهُ
الأُمَمُ (فالوَثنِيُّ) الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ
النَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ
إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ. 15الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ
مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ شَاهِداً أَيْضاً ضَّمِيرهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا
مُشْتَكِيَةً (تشتكى ضدهم عندما يخطئون) أَوْ
مُحْتَجَّةً (مدافعة بالحجة)»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ2: 14و15). فحسب الرَّسُولِ بولس،
سيدين الله الناس في يوم الدينونة، ليس فقط حسب إيمانهم، بل أيضاً حسب ضمائرهم.
وبصفة عامة، فإنَّ الضَّمِير هو مُقيِّمٌ أخلاقي حسَّاس، ولا سيما
عند الصغار والشباب الذين لا زالوا أنقياء وأبرياء. فلو لم تُلطِّخنا الخطية
لما احتجنا إلى مرشد خارجي، والضَّمِير وحده هو الذي يمكنه أن يُوجِّه سلوكنا
بدقة. فضرورة الناموس المكتوب نشأت من دخول الخطية إلى العالم، عندما أخفق الإِنْسَان الذي
أظلم قلبه بالشهوات في الاستماع بوضوح إلى هذا الصوت الإلهي الداخلي. وعلى ذلك،
فإنه يوجد احتياج إلى كلٍّ من الناموس المكتوب وناموس الضَّمِير الطبيعي، وكلاهما يقولان:
«12فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ
افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ
وَالأَنْبِيَاءُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى7: 12).
في علاقتنا اليومية بالناس، نحن نثق بدون وعي في الضَّمِير
أكثر من النواميس والأنظمة المكتوبة. حقّاً، إنه من المستحيل أن توجد نواميس أو
شرائع لكل حالة يمكن تصوُّرها، وأن نتنبَّأ عن كيفية أن نمنع أية محاولات لكسرها.
والناس العُنفَاء يعملون على التحريف والتلاعُب حتى بأوضح القوانين. وهكذا، فإننا
نترجَّى أن الضَّمِير
- الذي يعمل بداخل كل إِنْسَان
- يُجبر الإِنْسَان
الذي نتعامل معه أن يعمل ما هو صالحٌ وعادلٌ أخلاقياً.
Ø
والخلاصة ما هو الضَّمِير؟
«الضَّمِير هو مُنقّي أفكار الإِنْسَان .« Readers’ Digest
يقول قاموس أكسفورد أن الضَّمِير «هو المعرفة أو الوعي الداخلي، وهو
الإمكانية التي تحكم على السمة الأخلاقية للأفعال أو الأفراد».
يعرّف قاموس وينستون الضَّمِير بأنه «الحس أو الوعي الأخلاقي داخل
الفرد، والذي يحدد ما إذا كان الفعل الذي يقوم به صحيح أم خاطيء، جيد أم سيء».
يقول هولسبي، «يمكن للإِنْسَان أن يكون له سلام مع الله
بدون ضَّمِير
صالح، لكن هذا الاختبار لن يكون اختباراً سعيداً»، وأنا واثق أننا لا نتحدث عن هذا
الأمر هنا، لكن هل الضَّمِير هو صوت الله الخالق داخل الإِنْسَان؟ نعم،
بالتأكيد. إن الضَّمِير
هو شريعة فطري وعام وليس قدرة مكتسبة.
من الذي لديه ضَّمِير؟ هل الناس المتعلمون والمتحضرون فقط؟
كلا، بل جميع الناس لديهم ضَّمِير.
«2بَلْ
قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ
غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ
أَنْفُسَنَا لَدَى ضَّمِير كُلِّ إِنْسَان قُدَّامَ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ4: 2)،
أن الضَّمِير
هو صوت الله، لكنه في بعض الأحيان يقود الناس ضد مشيئة الله المعلنة في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. فالضَّمِير المقيدة يقود الإِنْسَان الوثني إلى أن ينحني ويسجد
أمام أصنام من الخشب أو الحجارة. كما أن الضَّمِير قد يصادق على أعمال الانحلال الجنسي في
تلك المعابد لإرضاء هذه الآلهة الوثنية.
وفي بعض الأحيان يصر ضَّمِير إِنْسَان ما على قتل الشخص الذي قتل أباه. وفي بعض
الأحيان يجعله يتجاهل المرضى، معتقداً بأنهم ملعونون من الآلهة لذلك يجب تركهم
بمفردهم. كما يرشد الضَّمِير
الوثني إلى أن يتخلص من الطفلين التوأمين، وإلى فعل أمور أخرى مريعة.
لا تظهر كلمة «ضَّمِير» في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ، لكن يتم استبدالها بكلمة «قَلْبَ»: «5وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ
(ضَّمِيره) دَاوُدَ ضَرَبَهُ عَلَى قَطْعِهِ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ24: 5).
الضَّمِير هو الحكم الداخلي الذي يقوم بفحص كل
ما نفعله أو نقوله. والضَّمِير
يعبّر عن نفسه قبل، وأثناء، وبعد الفعل يشعر البعض أن الضَّمِير سيكون هو المعذّب الأساسي
للإِنْسَان
في جهنم «25فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ،
وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا16: 25).
0 التعليقات:
إرسال تعليق