أَبْنَاءَ اللهِ
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
في
أثينا
«16وَبَيْنَمَا
بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا احْتَدَّتْ رُوحُهُ فِيهِ إِذْ رَأَى
الْمَدِينَةَ مَمْلُوءَةً أَصْنَاماً. 17فَكَانَ
يُكَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ الْيَهُودَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالَّذِينَ يُصَادِفُونَهُ
فِي السُّوقِ كُلَّ يَوْمٍ. 18فَقَابَلَهُ
قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ وَقَالَ
بَعْضٌ: «تُرَى مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمِهْذَارُ أَنْ يَقُولَ؟» وَبَعْضٌ:
«إِنَّهُ يَظْهَرُ مُنَادِياً بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ». لأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُمْ
بِيَسُوعَ وَالْقِيَامَةِ. 19فَأَخَذُوهُ
وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ قَائِلِينَ: «هَلْ يُمْكِنُنَا أَنْ
نَعْرِفَ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ الَّذِي تَتَكَلَّمُ بِهِ. 20لأَنَّكَ تَأْتِي إِلَى مَسَامِعِنَا بِأُمُورٍ
غَرِيبَةٍ فَنُرِيدُ أَنْ نَعْلَمَ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ». 21أَمَّا الأَثِينِيُّونَ أَجْمَعُونَ
وَالْغُرَبَاءُ الْمُسْتَوْطِنُونَ فَلاَ يَتَفَرَّغُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ إِلاَّ
لأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئاً حَديثاً. 22فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ
وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً 23لأَنَّنِي
بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً
مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ: «لِإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ
وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 24الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا
فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ
مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي 25وَلاَ
يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ إِذْ هُوَ يُعْطِي
الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. 26وَصَنَعَ
مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ
الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ
يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ
بَعِيداً. 28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا
وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا
أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. 29فَإِذْ نَحْنُ
ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ
أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. 30فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي
كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 16-30).
من الحق أَيْضاً أن كل الناس هم ذريته «28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا
قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. 29فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي
أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ
صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17:
28-29). بمعنى أنهم أولاده لأنه هو الذى خلقهم، ولكن من الواضح الجلي أن الإِنْجِيل
يميز بكل وضوح وتأكيد بين البنوة على أساس الخليقة، والبنوة على أساس الإِيمان بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فهذا أمر لا جدال ولا شك فيه.
أولاً: فى نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ:
تعتبر الأربعة الأعداد الأولى من الأصحاح
السادس من سِفْرُ التَّكْوِينِ، من أعضل مشكلات التفسير فى نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. فإلى من تشير عبارة أَبْنَاءَ اللهِ؟ هل إلى الهة الوثنيين أو إلى حكام وثنيين،
أو إلى ملائكة، أو إلى سلالة شيث؟ فعند الوثنيين أساطير مختلفة تعود إلى عصر
الحوريين (نحو 1500 ق.م.) عن آلهة الطبيعة يمارسون علاقات جنسية غير مشروعة بين
أنفسهم، وبعض الحالات مع البشر. فهل هذا الفصل فيه إشارة إلى بقايا مثل هذه
الأساطير؟ أن السواد الأعظم من علماء نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ يقرون بأن الأساطير الجنسية ليست أمراً مألوفاً
فى نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ يزعم بعضهم، أنها لو كانت أسطورة قديمة، فإن الإعلان قد
سجلها - وهو في حيرة من الأمر - كأساس لدينونة الله للعالم بالطوفان، ولكن هذا
الزعم يناقض تماماً سياق نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ. وهناك بعض الأدلة على أن حكام الوثنيين كان يطلق عليهم
أَبْنَاءَ
اللهِ.
وفى بعض فصول نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، مثل: «6وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ
لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضَاً فِي وَسَطِهِمْ»(سِفْرُ أَيُّوبَ1: 6)، «1وَكَانَ
ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ
الشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ»(سِفْرُ أَيُّوبَ2: 1)، «7عِنْدَمَا
تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعاً وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟»(سِفْرُ أَيُّوبَ38: 7). وسِفْرُ دَانِيآل «25أَجَابَ وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ
رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ،
وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ»(سِفْرُ دَانِيآل3: 25)، يظهر
بجلاء أن العبارة تشير إلى ملائكة أو كائنات سماوية «1قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَعِزّاً»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور29: 1)، «6لأَنَّهُ
مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ الرَّبَّ. مَنْ يُشْبِهُ الرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ
اللهِ؟»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور89: 6).
ويقول البعض إن الملائكة الساقطين قد تزوجوا
من بنات الناس وولدوا منهن أولاداً. ولكن لا توجد فى الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أدنى إشارة إلى اتصال الكائنات السماوية
بالبشر بهذه الصورة، بل أن الرب يسوع قد أكد أن الملائكة لايتزوجون «30لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ
يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22: 30).
والذين يتمسكون بأن المقصود بأَبْنَاءَ اللهِ هم نسل شيث يقولون إن اللفظة العبرية ها -
إلوهيم (أَيُّ الله بأداة التعريف) تدل باستمرار - فى نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ - على الله الوأحد الحقيقي، وتنفي تماًما
المفهوم الوثني لهذه العبارة، ويدعمون رأيهم أَيْضاً بأن مفهوم علاقة البنوة بين
الله ومن خلقهم، ليست غريبة عن نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ، فهى عبارة لها مفهوم واضح في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، «4هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ
سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ. «5فَسَدُوا تِجَاهَهُ الذِينَ هُمْ عَارٌ وَليْسُوا
أَوْلادَهُ جِيلٌ أَعْوَجُ مُلتَوٍ. 6هَل
تُكَافِئُونَ الرَّبَّ بِهَذَا يَا شَعْباً غَبِيّاً غَيْرَ حَكِيمٍ؟ أَليْسَ هُوَ
أَبَاكَ وَمُقْتَنِيَكَ هُوَ عَمِلكَ وَأَنْشَأَكَ؟»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة32: 4-6)،
وفى سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ «15لَوْ قُلْتُ أُحَدِّثُ هَكَذَا لَغَدَرْتُ بِجِيلِ
بَنِيكَ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور73: 15)، وفى سِفْرُ هُوشَعَ «1لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ
مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي»(سِفْرُ هُوشَعَ11: 1)، نجد
كلمة أولاد أو بنين أو ابن تستخدم للدلالة على علاقة الله بالناس، كما أن عبارة:
يقال لهم أَبْنَاءَ اللهِ الحي «10لَكِنْ
يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ
يُعَدُّ وَيَكُونُ عِوَضاً عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي يُقَالُ
لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللَّهِ الْحَيِّ»(سِفْرُ هُوشَعَ1: 10)، لها
دلالة عظيمة في هذا الصدد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق