• اخر الاخبار

    ابْنُ اللَّهِ في الأناجيل الثلاثة الجزء الثاني إعداد د. القس/ سامي منير اسكندر






    ابْنُ اللَّهِ في الأناجيل الثلاثة

    الجزء الثاني

    إعداد

    د. القس/ سامي منير اسكندر

    1) شهادة اساسية:

    يفتتح إنجيل مرقس بهذه العبارة: «1بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ،»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 1)، وهو أمر يستلفت النظر، وبخاصة أن مرقس يقتصد كثيراً في استخدام اللقب. أما لوقا فيقول عن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ في مفتتح إنجيله إنه َابْنَ الْعَلِيِّ «32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ،»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 32)، وابْنُ اللَّهِ «35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 35). ويقتبس متي النبوة الواردة في إِشَعْيَاءَ «14وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ7: 14)، عن عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا «23هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا»(إِنْجِيلُ مَتَّى1: 23)، مطبقاً إياها على الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، كما يذكر نبوة هُوشَعَ «1لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي»(سِفْرُ هُوشَعَ11: 1)، على أنها إشارة مبإشرة إلى الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ القَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي»(إِنْجِيلُ مَتَّى2: 15).
    فالاناجيل الثلاثة بلا استثناء، تسِّلم منذ بدايتها بأن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو ابْنُ اللَّهِ ويركز متى ولوقا على ولادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ من العذراء، لأنها عند متى اتمام للنبوة عن عمانوئيل وأنها دليل على أنه في هذا الطفل سيعيش الله بين الناس.
    ويربط لوقا «35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 35)، بين بنوة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لله والولادة من العذراء بقوة الروح القدس. ولا يمكن أن تكون ولادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ من العذراء مقطوعة الصلة ببنوة المسيح لله، ومع ذلك لم يكن هذا هو السبب الوحيد - أمام الكنيسة الأولى - لاطلاق هذا اللقب على المسيح، وسنرى فيما بعد الأسباب الأخرى الداعية لذلك.

    2) شهادة الإِعلان عند المعمودية:

    يجىء الإِعلان من السماء، عند معمودية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «11وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 11)، «17وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى3: 17)،  «22وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا3: 22).
    وهي عبارة تجمع بين ما جاء في العدد السابع من المزمور الثاني، وما جاء في إِشَعْيَاءَ «1هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ42: 1).
    وقد أساء الهراطقة فهم هذه الحادثة فاعتبروها اعلاناً لتبني الله للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، كما لو أن الإِنسان يسوع قد حل عليه الروح لأول مرة عند المعمودية، وبذلك أصبح ابنا لله. ولكن هذا تفسير مستحيل في ضوء قول كالذي جاء في إنجيل لوقا «35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 35)، وفي مرقس أيضاً، الذى لا يذكر صورة مبإشرة ولادته من عذراء، ولكنه يفتتح انجيله بالقول: يسوع المسيح ابْنُ اللَّهِ الحي قبل معموديته بزمن، وهذا لا ينفي العلاقة الوثيقة بين البنوية والروح القدس «6ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخاً: «يَا أَبَا الآبُ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ4: 6).
    ومهما يكن للمعمودية من معان، فإنها ولا شك كانت شهادة علنيه بقبول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لإِرساليته وسيره في طريق الطاعة الكاملة للآب رغم ما يكتنف هذا الطريق من الآم، وقد قال: «50وَلِي صِبْغَةٌ (معمودية) أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟»(إِنْجِيلُ لُوقَا12: 50). ولا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة، أن تتكرر العبارة بنفس الالفاظ عند التجلي أيضاً «7وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ9: 7). وفي ضوء هذا الاعلان وأهميته، لا عجب في أن معمودية المؤمنين في الكنيسة ارتبطت أيضاً بإعلان أن يسوع المسيح هو ابْنُ اللَّهِ «37فَقَالَ فِيلُبُّسُ: «إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ». فَأَجَابَ وَقَالَ: «أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ8: 37)، أو أنه رب (1كو12: 3)، وليس ثمه فرق بين العبارتين.

    3) شهادة التجربة:

    وأينما تذكر تجربة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كما في: «1ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. 3فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً». 4فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ». 5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 7قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ». 8ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، 9وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». 10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 11ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى4: 1-11)، فإنها ترتبط بشدة بعلمه بأنه ابْنُ اللَّهِ، فبدون هذا لا تفقد التجربة أهميتها فحسب، بل تفقد كل معنى. فقد كانت التجربة مزدوجة الهدف، فقد كانت إما للتشكيك في بنوته، أو دفعه إلى إساءة استخدامها باستعراض أناني للقوة الإِلهية، مما ينحرف به عن طريق الطاعة.
    إن مجرد عمل العجائب يكفي لاعتبار الإِنسان ابناً لله بالمفهوم الوثني. ولعل هذا ما جعل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أحياناً غير راغب في صنع المعجزات علناً. وفي الليلة السابقة لصلب الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بذل المجرب جهده أيضاً ليبعده عن طريق الابن، طريق الطاعة الكاملة «42قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا22: 42).
    وحيث أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ - ولإشك - هو الذى أخبر تلاميذه بقصة التجربة، فهذا دليل قوي على علمه الكامل بحقيقة شخصه وخدمته. وما حدث عند المعمودية كان شهادة من الآب للابن، أما التجربة فهي شهادة الابن عن نفسه.

    4) شهادة الشياطين:

    لم يقبل المسيح الشهادة من الشياطين (وإن كان لم ينكر أبداً الحق الذى تضمنته). والأرجح أنه لم يقبلها لأنها صدرت منهم رغماًعنهم، ولم تصدر عن إعلان سمأوي أو عن إيمان بالمفهوم المسيحي. ولكنها على أي حال كانت شهادة خارقة للعادة، ولذلك فلها أهميتها. والمقابلة بين ما جاء في مرقس «11وَالأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «إِنَّكَ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ!» 12وَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ3: 11و12). «23وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ فَصَرَخَ 24قَائِلاً: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ!» 25فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «اخْرَسْ! ‍‍‍‍‍‍‍وَاخْرُجْ مِنْهُ!»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 23-25)، تثبت بجلاء أن مثل هذه الشهادة المرفوضة، قد تكررت كثيرا فىأثناء خدمة المسيح «17هَذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ16: 17)، «15فَأَجَابَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ وَقَالَ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ أَنْتُمْ؟»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ19: 15)، «19أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ الرَّسُولِ2: 19). وليس من ينكر اطلاقاً- حتى من أعدائه - أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كانت له القوة لطرد الشياطين، بل كان التساؤل الوحيد عند الكتبة هو عن مصدر هذه القوة التي لا شك فيها «22وَأَمَّا الْكَتَبَةُ الَّذِينَ نَزَلُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ فَقَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ بَعْلَزَبُولَ! وَإِنَّهُ بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ3: 22). فلا أساس اطلاقاً للشك في حقيقة هذه الشهادة من الشياطين، فمع أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نفسه لم يقبلها، إلا أن البشيرين سجلوها كنوع آخر من الأدلة على الحق الذي كانوا قد آمنوا به تماماًبناء على أسس آخرى.

    5) شهادة التلاميذ:

    بعد أن أسكت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ العاصفة، جاء التلاميذ وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابْنُ اللَّهِ «33وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى14: 33). ولعل هذا جاء عن ادراك وقتي أو عابر من أناس بهتوا لهذه القوة الخارقة ففى مناسبات مماثلة لم يصدر عنهم هذا الاعتراف الكامل «27فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ: «أَيُّ إِنْسَانٍ هَذَا! فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعاً تُطِيعُهُ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى8: 27). ومهما كانت قوة هذه الشهادة، فإنها تتضاءل أمام اعتراف بطرس فى قيصرية فيلبس بعد ذلك بقليل «16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 16)، فقد صدر منه هذا الاعتراف دون أن يكون هناك أدنى استعراض للقوة المعجزية، فاعترافه: أنت هو المسيح ابْنُ اللَّهِ الحي هو النقطة الفاصلة في إنجيل متى، فمنذ تلك اللحظة بدأ يسوع يوضح لتلاميذه أن بنويته تعني طاعته حتى الموت «21مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 21). لقد قبل تماماً اعتراف بطرس بأنه ابْنُ اللَّهِ الحى واتخذ منه دليلاً على أنه إعلان مبإشر من الأب السمأوي لبطرس «17فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 17). ولكن هذا الإِعلان لم يمتد بالتلاميذ إلى إدراك أنه المسيا الذي يجب أن يتألم «22فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 22). ولعل الجمع بين كونه ابْنُ اللَّهِ والمسيا يظهر أيضاً في اعتراف بطرس: «69وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 69)، كما يظهر قطعاً في سؤال رئيس الكهنة للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «61أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ14: 61).

    6) شهادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ عن نفسه:

    سبق أن رأينا ذلك في المعمودية وفي التجربة، ولكنه أيضاً يظهر بجلاء في قوله: «25فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. 26نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ. 27كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى11: 25-27)، «21وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ». 22وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الاِبْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الاِبْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا10: 21و22)، وهذا دليل على أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كان يعلم تماماً علاقته الفريدة بالآب. وهذه الشهادة الذاتيه تتجلى أيضاً في قبوله لاعتراف أتباعه بأنه ابْنُ اللَّهِ «33وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى14: 33)، «16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 16). وبالمثل عندما سأله رئيس الكهنة عند محاكمته  «61أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ14: 61)، أقر الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بدون أدنى تردد أنه المسيح ابْنُ اللَّهِ رغم أن ذلك كان المستحيل أن ينكر ذلك، إذ كان في ذلك انكار لحقيقته. وهناك مواضع كثيرة في الأناجيل الثلاثة الأولي، يشير فيها الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ إلى نفسه بأنه الابن في المقابلة مع الآب كما في مرقس «32وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الاِبْنُ، إلاَّ الآبُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ13: 32)، ولا يمكن لنا أن ننكر صحة هذا الفضل على اعتبار أنه من اصطناع الكنيسة الأولي، لأنه هو الفصل الذي يثير مشكلة محدودية العلم بكل شيء.

    7) شهادة أعداء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ:

    وقد صدرت هذه الشهادة رغماً عنهم، مثل تلك التي صدرت عن الشياطين، أي أنها لم تصدر عن إيمان. وهى في ذاتها ليست شهادة مستقلة خارقة مثل شهادة الشياطين، ولكنها أقوى دليل على ذيوع هذا الأمر. فسؤال رئيس الكهنة عند المحاكمة  «61أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ14: 61)، واستهزاء الجموع الصاخبة عند الصليب «43قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللَّهِ، فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللَّهِ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى27: 43)، يثبتان ذلك بجلاء. فلو أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لم يصرح بذلك أو لم يقبله، لما كان هناك معنى لسؤال رئيس الكهنة، أو لسخرية الجماهير. ولا يقلل من أهمية ذلك عدم إيمان رئيس الكهنة أو الجماهير بهذه الحقيقة. ولعل شهادة قائد المئه عند الصليب «39وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هَكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ: «حَقّاً كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ!»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ15: 39). تندرج تحت هذا النوع من الشهادات، فلولا أن قائد المئه كان يعلم بأن هذه الدعوى قد صدرت عن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لما خطرت هذه الأقوال على فكره، ولمَا بدرت من شفتيه.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: ابْنُ اللَّهِ في الأناجيل الثلاثة الجزء الثاني إعداد د. القس/ سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top