خلفية الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
مقدمة
«يقول الكتاب»، جملة يرددها الجميع، بيقين وحزم، بعض قرّاء الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، وكأنهم توصلوا إلى التمييز اليقين بين الحق
والباطل، وإلى التعرّف على «الحقيقة المطلقة»، وكل من له فهم مختلف هو على خطأ.
عندما أسمع هذه العبارة من أحدهم في أي جدل ديني أو لاهوتي، استنتج أن قائلها ليس
على دراية بأن مسألة فهم النصوص الدينية القديمة، مثل الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، مسألة معقدة وتحتاج
إلى كثير من المعارف والتقنيات اللغوية. إن ما يجعل فهم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وتفسيره مسألة معقدة
هو أن هذه النصوص كتبها كُتّاب عديدون عاشوا في أزمنة مختلفة، والنصوص كُتبت في
أزمنة مختلفة تمتد على فترة طويلة، والآساليب الأدبية التي كُتبت فيها هذه النصوص
مختلفة كثيرًا. هذا ناهيك عن مسألة التعرف إلى كيفية تكوّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، التي هي مسألة في
منتهى التعقيد.
أن أعرض الخلفيات المتعددة التي يدرك
بها القرّاء الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، وخلفيات الفهم، وأنواعها، وتقنياتها. لعلي
أستطيع أن أساعد الذين يستخدمون الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ على فهم صعوبة الموضوع، ومن ثم فهم نصوصه فهمًا
أكثر موضوعية.
أولاً: الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
والعوامل المؤثرة في قراءته
نقدم، نظرة عامة عن الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ للقارئ غير المتخصص؛ ثم نتكلم عن العوامل التي
تؤثر في فهم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وفهمه؛ على أن نخصص لبعض العوامل المهمة أقسام
رئيسة نتكلم عنها بشرح مطوَّل.
الفصل
الأول
نظرة
عامة
للإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
«الكتاب المقدس» تسمية أطلقها
المسيحيون على مجموعة من الكتابات الدينية المتعلقة بنشأة الديانة الإسرائيلية
القديمة (الموسوية) واليهودية والمسيحية؛ وهذه الكتابات موزعة على عدد من الكُتُب،
نسمّيها «أسفارًا». هو إذن مجموعة من الأسفار اكتسبت صفة «المقدس» لدى اليهود (في قسم
منه كما سنرى) والمسيحيين، وأحيانًا بقرارت مجمعية صادرة عن السلطة الدينية، لذلك
تُدعى أحيانًا «الأسفار القانونية». ولصفة «المقدس» عدة دلالات. هي تعني
أن هذا الكتاب يبحث في أمور «المقدّس»، مقارنة مع «الدنيوي».
هذا كتاب يُعنى بالإلهيات؛ هو «كلام الله»، ولهذه العبارة مفاهيم مختلفة؛ هو إعلان
من الله، ولموضوع الإعلان مفاهيم مختلفة؛ هو كتاب مرجعي ومعياري يحيث يتضمن
المبادئ المتعلقة بالدين والعبادة والممارسات والسلوك، ويُركَن إليه للبت بهذه
الأمور.
وفي الوقت نفسه، الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ من أقدم الكُتب؛ ويُعتبَر من التراث العالمي،
يقرأُه ليس المسيحيون واليهود فحسب، بل المتخصصون بالتاريخ، وتاريخ الديانات
والحضارات والعلوم، والفلاسفة، والأخصيائيون في علم الاجتماع، وخاصة الديني، وعلم
النفس. هؤلاء يقصدون قراءته طلبًا للمعرفة العلمية كون الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ منجم في هذه الحقول
المعرفية.
هذه الكتابات «المقدسة»، التي أعطتها السلطة
الدينية (في اليهودية والمسيحية) صفة «المقدس» و«القانونية» على
أنها كتابات مرجعية ومعيارية لكل ما يتعلق بالإيمان (العقيدة) والسلوك، كونها
كتابات إعلانية بها وهي «كلام الله»، هي، بالنسبة للمؤرخ والفيلسوف وعالم الاجتماع
والأخصّائي في علم النفس والسلوكيات، كتاب ديني قديم، يجوز إخضاعه للفحص والنقد
والتحليل، كغيره من الكتب، بغية الحصول على معلومات علمية صحيحة. من هنا تأتي
أهمية تحديد الخلفية التي يدرك بها الدارس الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ لأنّ لهذا تأثيره على الفهم والفهم.
ينقسم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ إلى قسمين: نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (العهد القديم)، والإِنْجِيل (العهد الجديد). اللغة
الأصلية لنَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِير هي العبرية باستثناء مقاطع قصيرة، في بعض
الأسفار، كُتبت بالآرامية. واللغة الأصلية للإِنْجِيل هي اليونانية القديمة،
المسماة «القينية». نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير بمعظمه واحد في كل
الكنائس المسيحية، لكن توجد اختلافات بسيطة بين الكنائس لجهة عدد أسفار نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير وترتيبها.
تُرجم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ إلى آلاف اللغات، لكن الترجمات الأهم هي
القديمة لأنها اكتسب صفة المرجعية على غرار النصوص باللغات الأصلية. هذه الترجمات هي
ترجمة الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبري إلى اليونانية القينية، والتي تُسمى
«السبعينية»، وهي من القرن الثاني ق.م. تقريبًا؛ وترجمة الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبري إلى الآرامية،
وتُسمى «الترجوم»، وبقيت هذه الترجمة شفوية لقرون ثم، في القرن الرابع، وُضعت
كتابة؛ وترجمة الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ المسيحي إلى السريانية، وتُدعى «البشيطو» أو
«البشيطا»، وتعود في القرن الرابع؛ وترجمة الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ المسيحي إلى اللاتينية القديمة، وتُدعى
«الفولغاتا»، وتعود إلى القرن الرابع. الترجمة السبعينية تضم، إلى القانون العبري،
عددًا من الكتب اليونانية؛ وقد رُتِّبت فيها الأسفار بتوزيع يختلف عن التقسيم في
القانون العبري، فبينما يتحوي القانون العبري على ثلاثة أقسام- التوراة والأنبياء
والمكتوبات- تحتوي السبعينية على أربعة أقسام: التوراة والأسفار التاريخية
والأسفار الحِكمية والأنبياء.
أما عدد أسفار الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وترتيبها، فالإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبري يحتوي على 22 سفرًا (وبحسب تقسيم آخر 24
سفرًا) موزعة على ثلاثة أقسام رئيسة: التوراة، والأنبياء، والمكتوبات. المحتوى
نفسه موجود في نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير البروتستانتي لكن في
39 سفرًا موزعة على أربعة أجزاء: التوراة، والأسفار التاريخية، والأسفار
الحِكَمية، والأنبياء، وقد استوحي هذا التقسيم من السبعينية. تحتوي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير الكاثوليكي على
القانون العبري لكن بالتقسيم المتّبع في السبعينة وإضافة سبعة أسفار أخرى تُدعى
الأسفار اليونانية، أو أسفار القانونية الثانية، أو أسفار الأبوكريفا.
وهكذا يصبح نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير الكاثوليكي مؤلفًا من
46 سفرًا. أما الكنائس الأرثوذكسية فهي تعتمد لوائح مختلفة. معظم الكنائس
الأرثوذكسية الخلقيدونية، والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، تعتمد الترجمة اليونانية
المسمّاة «السبعينية» كنَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير في كتابها المقدس. والكنيسة السريانية
تعتمد الترجمة السريانية المسماة «البشيطو» أو «البشيطا». والكنيسة الرومية
الكاثوليكية تعتمد ترجمة الفولغاتا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق