خلفية الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
الفصل
الثاني
العوامل
المؤثرة في فهم
الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
نعتقد أن فهم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وتفسيره تتأثر بالعوامل التالية:
1)
إدراك
الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ:
إعلان
إلهي مقدس، أم كتاب تراث؟
على الدارس أن يحدد نظرته إلى الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. هل يعتبره كتابًا مقدسًا يحتوي على كلمة الله
المعلن لنا بالروح القدس، ويتمتّع بسلطة مرجعية في أمور الإيمان والسلوك؟ أم
يعتبره مجرّد كتاب قديم فيه تراث ديني، يهودي ومسيحي؟ ففي النظرة الأولى يكون
التركيز على الإيمانيات والسلوكيات والروحانية؛ أما في النظرة الثانية، يكون
التركيز على التاريخ والفلسفة وتاريخ الديانات وعلم الاجتماع الديني، وتاريخ
الآداب الكلاسيكية. هاتان النظرتان لا تنفصلا عن بعضهما فصلاً تاما، أي أن من
يعتبره كتابًا مقدسًا لا ينكر أهمته الأدبية والتاريخية والاجتماعية، ومن يعتبره
تراثًا أدبيًا لا ينكر قيمته الدينية والتاريخية والاجتماعية؛ ومن يعتبكره إرثاً
تاريخيًا واجتماعيًا، يعترف بأهميته على الصعيد الروحي والأدبي .
2) الخلفية
الدينية:
الدارس
هو مسيحي أم يهودي أم.....؟
الدارس المسيحي يعترف بان نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير والإِنْجِيلُ كلاهما إعلان إلهي
مقدس. غير أن لائحة أسفار نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير تختلف من تقليد مسيحي
إلى آخر. ثم أن المسيحي يقرأ نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير على خلفية الإِنْجِيلُ، وهذا ما يُدعى «الفهم المسيحية لنَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ». الدارس اليهودي يؤمن بأن ما يسميه المسيحيون نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير هو الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ الأصلي.
ننطلق هنا من كونه «كتابًا مقدسًا»، مرجعًا لكل ما يتعلق بالإيمان
والسلوك؛ ونميز بين ثلاث خلفيات للفهم:
1.
الخلفية
اليهودية،
وهي تتعلق بنَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير فقط، هو «الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبري»، وهو يتضمن
مسيرة الله مع شعب إِسْرَائِيلَ من البداية إلى النهاية.
2.
الخلفية
المسيحية،
وهي التي ترى أن كل ما في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ هو عن الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، فنَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير هو مرحلة تحضيرية
ونبوية عن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، والإِنْجِيلُ هو مرحلة تحقيقية، والرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ في الْكَنِيسَة أو والْكَنِيسَة هو إِسْرَائِيلَ الجديد.
3.
الخلفية
اليهو-مسيحية،
وهي التي تقرأ نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير كما يقرأه اليهود
(الله وشعبه إِسْرَائِيلَ)، وتقرأ الإِنْجِيلُ كما يقرأه المسيحيون
مع الفارق أن مواعيد الله لإِسْرَائِيلَ ثابتة وستتحقق. إِسْرَائِيلَ هو شعب الله
والْكَنِيسَة هي أيضًا شعب الله.
من الخطأ الاعتقاد أن الفهم اليهودية تتم من قِبَل قارئ يهودي، والفهم
المسيحية من قِبَل قارئ مسيحي، فقد يدرس المسيحي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير بعيون يهودية، وقد
يدرس اليهودي نَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير بعيون مسيحية، وقد
يدرس الإثنان الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بعيون يهو-مسيحية.
3)
إدراك
كيفية تكوّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ:
هل له مصادر تاريخية أم أن مادته أتت للكاتب
بالإعلان؟
في حال اعتبر الدارس للإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كتابًا مقدسًا، كيف ينظر الدارس إلى موضوع
تكوّنه؟ هل يأخذ الدارس بالنظريات العلمية، المبنية على النقد التاريخي للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. تلك النظريات التي
تجد لبعض النصوص مصادر من التراث العالمي، وتولي الجهد البشري دورًا كبيرًا في
تكوّن النصوص؟ أم يقبل النظريات التقليدية رافضًا النقد التاريخي جملة وتفصيلًا.
تلك التقاليد التي تحدد أسماء الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، وتواريخ الكتابة،
وترفض أي مصادر أرضية بشرية للمكتوب، لأن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ له
مصدر وحيد هو الله.
4)
إدراك
الإعلان:
تنزيل أم إعلان إلهي؟
في حال اعتبر الدارس الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كتابًا مقدسًا، كيف ينظر إلى موضوع «الإعلان»
و«السلطة»؟ هل يأخذ الدارس بالنظريات العلمية التي تولي الجهد البشري دورًا كبيرًا
في تكوّن النصوص وتعطيهم الحق بامتلاك وعي شخصي أن ما كتبوه كان إلهامًا
إلهيًا؟ ما هي نظرية الإعلان التي يعتمدها؟ هل هو تنزيل، بحيث يجب التركيز
على المفردات بحرفيتها والمعنى القواعدي والمعجمي؟ هل هو إعلان حرفي بحيث أن كل
كلمة هي من اختيار الروح القدس؟ هل الإعلان هو إلهام، بحيث أن الكاتب تلقى إلهامًا
بالأفكار وصاغها بأسلوبه الأدبي الخاص وعلى خلفية النظريات العلمية السائدة في
زمنه؟
5)
تحديد
هدف الفهم والإدراك:
تأمل
روحي؟ أم تحليل أدبي؟
أم
دراسة تاريخ الفكر الديني أو أي موضوع تاريخي آخر؟
على الدارس أن يحدد الهدف من الفهم: هل الهدف علمي تاريخي مثل درس
تاريخ الفكر الديني، أو درس تاريخ إِسْرَائِيلَ وبدايات اليهودية، أو درس بدايات
المسيحية، أو درس تاريخ الفكر الديني؟ أم الهدف روحي حيث يهدف الدارس إلى التأمل
في كلام الله بهدف التعمق في الأمور اللاهوتية أو الأخلاقية ليتمكن من العيش
بالمبادئ الإلهية وشحن الحياة الروحية؟ وإن تعددت الأهداف من فهم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، يمكن اختصارها بهدفين
رئيسين:
A.
هدف
علمي:
دراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم، دراسة تاريخ إِسْرَائِيلَ القديم
وديانتها وتاريخ اليهودية، دراسة الديانات الكنعانية القديمة، دراسة تاريخ الفكر
الديني، دراسة تاريخ الحضارات القديمة، …
B.
هدف
ديني:
التعرف على الله (هويته وصفاته)، وعالمه (السماء والأرواح
والملائكة)، وعمله (الخلق والعناية بالخليقة)، وعلاقته بالخليقة، وإرادته (الإيمان
والسلوك). أو شحن القلب بطاقة روحية وأخذ الإرشاد الروحي لحياتي…
من الخطأ الاعتقاد أن فهم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بهدف علمي تتم من قِبَل قارئ علماني غير مؤمن،
والفهم بهدف ديني تتم من قِبَل قارئ مؤمن. إن كلا القرائتين يمكن أن تتمان من
قِبَل إنسان مؤمن أو قارئ علماني.
6)
إتقان
ومعرفة تقنيات الفهم
من أجل فهم علمية وموضوعية ينتج عنها تفسير صحيح، على الدارس أن
يتقن تقنيات الفهم:
أولاً: إتقان لغات الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
الأصلية،
ومعرفة قواعد الصرف والنحو للِّغات الأصلية واللغة التي يقرأ بها
النص؛ معرفة عالم الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وتاريخه وحضاراته معرفة وافية؛ إتقان الفنون
والأساليب الأدبية التي استخدمها الكُتّاب، وإجادة استخدام النقد الأدبي، وإتقان
استخدام قواعد الألسنية وتحليل النصوص وعلم المعاني.
ثانيًا: موقفان للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
يوجد، إجمالاً، موقفان من الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، كُنّا أتينا على ذكرهما أعلاه: الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عمل أدبي من إنتاج
بشري كغيره من الكتب، والإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كتاب إعلاناً
إلهياً- مهما كانت نظرية الإعلان- هو إعلان الله للبشر.
هذان الموقفان يحتمان وجود خلفيتين مختلفتين للنص: خلفية كتراث أدبي، وخلفيته كإعلان إلهي. الخلفية الأولى
مستقلة بذاتها؛ أما الخلفية الثانية فهي لا تنفي بالضرورة عدم الحاجة إلى الخلفية
الأولى والاستفادة منها.
1. خلفية
الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كتراث أدبي
2. خلفية
الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كإعلان إلهي
ثالثًا: إدراك كيفية تكوّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ
استغرق تكوّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ وقتًا طويلاً حوالي 1600 سنة، وساهم في كتابته
كُتّاب عديدون حوالي 40 من رجال الله، نعرف اليوم أسماء بعض منهم، ونسب التقليد
بعض الكتب إلى كُتّاب آخرين، وتوجد أسفار نجهل كُتّابها تمامًا. كُتِبت الأسفار في
أزمنة مختلفة تمتد على فترة زمنية طويلة تفوق الألف سنة، وبسياقات تاريخية وحضارية
مختلفة، وبأساليب أدبية مختلفة:
Ø نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير
نظرًا لطول الحقبة الزمنية التي تغطيها مادة نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير، ولتعدد المراحل التي
مرَّ بها تكوُّنه، ولتعدد الأجناس الأدبية والأساليب البلاغية التي تحتوي عليها
مادته، ولتعدد مواضيعه، يُعتبر موضوع تكوُّن نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير معقدًا للغاية. لكن
هناك تقاليد قديمة العهد تنسب بعض الأسفار لكتّاب معينين وتحدد تواريخ بعض
الأحداث، لذلك هناك نظرية تقليدية ونظرية نقدية لموضوع تكوُّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ.
A.
النظرية التقليدية
تقول النظرية التقليدية (أنا
شخصياً أومن بها) لتكوُّن الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ إن نصوص الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبرية كتبها أشخاص معروفون في تاريخ إِسْرَائِيلَ
القديم، مثل مُوسَى، ويَشُوع، أو صَمُوئِيلَ.
فهم أخذوا على أنفسهم تسجيل تجاربهم الدينية في علاقتهم مع الإله. نشأ هذا الفهم
التقليدي لتأليف الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ في النصوص نفسها. على سبيل المثال، العديد
من المقاطع تشير إلى مُوسَى يكتب طبقًا لأوامر
الله له «14فَقَالَ الرَّبُّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)
لِمُوسَى: «اكْتُبْ هذَا تَذْكَارًا فِي الْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ
يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ17: 14)؛ «4فَكَتَبَ
مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ(الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ).
وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ
عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ24: 4)؛ «27وَقَالَ
الرَّبُّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)
لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ
الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ». 28وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)
أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ
مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ34: 27و28)؛ «2وَكَتَبَ مُوسَى
مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاَتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ).
وَهذِهِ رِحْلاَتُهُمْ بِمَخَارِجِهِمْ:»(سِفْرُ اَلْعَدَد33: 2)؛ «9وَكَتَبَ مُوسَى هذِهِ
التَّوْرَاةَ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ
الرَّبِّ(الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)،
وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ...22فَكَتَبَ مُوسَى هذَا
النَّشِيدَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة31: 9؛ 22)،
وكثير غيرها. وهناك الكثير من العبارات التي تأتي على ذكر «شَرِيعَةِ مُوسَى» على سبيل المثال:
«31كَمَا
أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)
بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ تَوْرَاةِ مُوسَى. مَذْبَحَ
حِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ عَلَيْهَا حَدِيدًا، وَأَصْعَدُوا
عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ(الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)،
وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ»(سِفْرُ
يَشُوع8: 30-31)؛ «6وَلكِنَّهُ لَمْ
يَقْتُلْ أَبْنَاءَ الْقَاتِلِينَ حَسَبَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ
مُوسَى، حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ)
قَائِلاً: «لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ مِنْ أَجْلِ الْبَنِينَ، وَالْبَنُونَ لاَ
يُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ. إِنَّمَا كُلُّ إِنْسَانٍ يُقْتَلُ
بِخَطِيَّتِهِ»(سِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الثَّانِي14: 6)، «2وَقَامَ يَشُوعُ بْنُ
يُوصَادَاقَ وَإِخْوَتُهُ الْكَهَنَةُ، وَزَرُبَّابَلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ
وَإِخْوَتُهُ، وَبَنَوْا مَذْبَحَ إِلهِ إِسْرَائِيلَ لِيُصْعِدُوا عَلَيْهِ
مُحْرَقَاتٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى رَجُلِ اللهِ»(سِفْرُ عَزْرَا3: 2).
أدت مثل هذه القرائن إلى تحديد مُوسَى ككاتب أسفار التوراة، التي
تُدعى أحيانًا «أسفار مُوسَى الخمسة». ويُفترض أن مُوسَى عاش في الرَّبِّع الأخير
من القرن الثالث عشر ق.م.
نتناول كل من المجموعات الثلاث التي يتألف منها الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ العبري: التوراة
(التكوين، والخروج، واللاويين، والعهد والتثنية)؛ الأَنْبِيَاءِ: الأَنْبِيَاءِ الأولون (سِفْرُ
يَشُوع،
وسِفْرُ اَلْقُضَاة، وسِفْرُ
صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ والثَّانِي، وسِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ والثَّانِي)، والأَنْبِيَاءِ الآخِرون (سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ
وسِفْرُ إِرْمِيَا وسِفْرُ
حِزْقِيَال
والإثنا عشر)؛ والمجموعة الثالثة، المكتوبات (سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، وسِفْرُ أَيُّوبَ، وسِفْرُ
الأَمْثَالُ،
وسِفْرُ رَاعُوث، وسِفْرُ
نَشِيدُ الأَنْشَادِ، وسِفْرُ الْجَامِعَةِ، وسِفْرُ
مَرَاثِي إِرْمِيَا، وسِفْرُ أَسْتِير، وسِفْرُ
دَانِيآل،
وسِفْرُ عَزْرَا- سِفْرُ
نَحَمْيَا،
وسِفْرُي أَخْبَارِ الأَيَّامِ).
بخصوص المجموع الأولى، التوراة، وفقا
للتقاليد الرابية، مُوسَى هو من كَتَبَ كُتُبَ التوراة الخمسة، باستثناء الآيات
الثمانية الأخيرة من سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة التي
تصف وفاته. كان هذا اعتقاد معظم اليهود والمسيحيين حتى القرن السابع عشر، بداية
علوم النقد التاريخي. بعد ذلك، ترك الذين أخذوا بالنظريات النقدية هذا الاعتقاد.
لكن، ما يزال المحافظون منهم يأخذون بهذا الاعتقاد حتى أيامنا.
فيما يتعلق بالمجموعة
الثانية، الأَنْبِيَاءِ، الأَنْبِيَاءِ الأولون، وفقا للتقاليد اليهودية
التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي على الأقل، مؤلفو أسفار الأَنْبِيَاءِ
الأولين هم أشخاص معروفون في إِسْرَائِيلَ القديمة: مؤلّف سِفْرُ
يَشُوع هو
يَشُوع نفسه، وومؤلّف سِفْرُ اَلْقُضَاة و
سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ والثَّانِي هو النبي
صَمُوئِيلَ (مع بعض المقاطع من قبل النبيين جاد وناثان)، في حين أن سِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ والثَّانِي كُتِبَ
من قِبَل إِرْمِيَا. أما الأَنْبِيَاءِ الآخرون، فكل نبي كتب الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ المسمى باسمه.
بخصوص المجموعة الثالثة، المكتوبات، سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، ينسب التقليد عددًا من اَلْمَزَامِيرُ
إلى داود، وإلى مناسبات خاصة من حياته، مَزْمُور لسليمان، مَزْمُور لمُوسَى، وعدد
من اَلْمَزَامِيرُ منسوبة لمؤلفين آخرين ومناسبات مختلفة مثل تنصيب الملك، الصعود
إلى الهيكل، السبي وإلخ. بعض التقاليد تنسب سِفْرُ
أَيُّوبَ
لمُوسَى. ومعظم التقاليد تنسب سِفْرُ
الأَمْثَالُ
وسِفْرُ الْجَامِعَةِ وسِفْرُ
نَشِيدُ الأَنْشَادِ إلى سليمان. والتلمود ينسب سِفْرُ
رَاعُوث
لصَمُوئِيلَ. ينسب التقليد سِفْرُ مَرَاثِي إِرْمِيَا إلى النبي إِرْمِيَا، وسِفْرُ
عَزْرَا
- سِفْرُ نَحَمْيَا وسِفْرُ
أَخْبَارِ الأَيَّامِ الأَوَّلُ والثَّانِي إلى عَزْرَا، وسِفْرُ دَانِيآل إلى النبي دَانِيآل.
الكتب اليونانية (الأبكريفا أو القانونية الثانية) هي كتب متأخرة،
لكتّاب مجهولين، والأسماء المطلقة عليها قد تكون أسماء مستعارة.
B.
النظرية النقدية
تقول الدراسات الحديثة بأن نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير مرّ بمراحل عديدة حتى
وصل إلينا بحلّته الحالية، لكن من الصعب التعرّف على جميع هذه المراحل بدقة.
والإجمال، يتفق العلماء على المراحل التالية:
1.
كانت
المرحلة الأولى التعرّف على وجود تراثات دينية مختلفة في
المعابد المنتشرة، وكان لكل معبد تراثه الخاص. أكثرية هذه التقاليد كانت شفوية،
تُتلى في الممارسات الطقسية، ومنها النذر القليل مكتوب، لكن لا نملك أي آثار عنه.
2.
المرحلة
الثانية ظهور أربع عائلات من التقاليد: التقليد اليهوهي الذي يستخدم اسم الإله
«يهوه»، والتقليد الإلوهيمي الذي يستخدم اسم الإله
إلوهيم، والتقليد الاشتراعي الذي يبدو وكأنه شريعة
مكتوبة بصيغة الوعظ ولها مبادئ لاهوتية معينة، وأخيرًا التقليد الكهنوتي الذي يحتوي على الطقوس
والذبائح ومسألة الطاهر والنجس.
3.
المرحلة
الثالثة، وضع هذه التقاليد كتابة، وتم ذلك على أغلب الظن خلال الفترة
الممتدة بين القرن التاسع والقرن الخامس ق.م. لا يُفهم من هذا أن هذه التقاليد
كُتبت في صيغتها النهائية، بل خضعت بعد ذلك لمراجعات وإضافات مختلفة.
4.
المرحلة
الرابعة، جمع هذه التقاليد الأربعة، ومراجعتها ودمجها في نص واحد هو
«التوراة». والتوراة هي قصة تكوّن شعب إِسْرَائِيلَ، وخروجه من مصر بقيادة مُوسَى،
وإقامة العهد من يهوه واستلام الشريعة على جبل سيناء، وتعليم الشريعة بشكل مواعظ
ألقاها مُوسَى في سهول موآب. تم عمل إعداد التوراة خلال القرين الخامس والرابع
ق.م.
5.
المرحلة
الخامسة، جمع تراث الأَنْبِيَاءِ وتدوينه ومراجعته بحيث ظهرت مجموعة الأَنْبِيَاءِ،
وتمت هذه العملية، على أغلب الظن، خلال القرن الرابع ق.م.
6.
المرحلة
السادسة، جمع المكتوبات في ومراجعتها. تم هذا العمل، على أغلب الظن،
بنهاية القرن الأول م.
7.
المرحلة
السابعة، فصل الكلمات عن بعضها، لأن الكتابة كانت متصلة، وإدخال حركات
التصويت. تم هذا، على أغلب الظن، في القرن السادس (هذه النظرية لا أومن
بها، عليه كثير من الملاحظات).
إلى اللقاء
ثالثًا: إدراك كيفية تكوّن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ
Ø الإِنْجِيلُ
0 التعليقات:
إرسال تعليق