مفهوم الإِنْسَانِ فى الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
إعداد
د.القس سامي منير اسكندر
إن
الرُّوحِ الإِنْسَانِية قد خَلَقَت على صورة الله ومثاله «الرُّوحِ او النفس جوهر روحى وهى نسمة من الله»: «26وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا
كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ
وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ
الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 27فَخَلَقَ
اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً
وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ1: 26و27)، «7وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ
الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً»(سِفْرُ التَّكْوِينِ2: 7)..
-
الرُّوحِ الإِنْسَانِية هى شعاع من روح الله ينير باطن الإِنْسَانِ ويرشده إلى تقويم
سلوكه على الطريق إلى الخلود: «11لأَنْ مَنْ
مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي
فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضاً أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ2: 11)، «14لأَنَّ كُلَّ
الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ8: 14).
Ø
خَلَقَ الإِنْسَانِ فى الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ:
الإِنْسَانِ
عالم صغير يشمل النفس والجسد والرُّوحِ والقلب والفكر والغرائز والضمير والإرادة
والحياة. «4فَمَنْ هُوَ
الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور8: 4). «17لأَنَّ
الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ
يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ5: 17).
والغرائز
تخضع لإرادة الإِنْسَانِ يوجهها ويضبطها أو العكس والضمير يرقب ويشرع ويقضى ويدير
والعقل جبار، يحتوى فكر لا يصمت، يتدرج فى مستواه ليصل إلى عنان السماء، وأحيانًا
يتدنى إلى الماديات والجسديات. والقلب ينبض مشاعر وأحاسيس ترق وتحنو أحيانًا،
وتشتد وتقسو أحيانًا فتحوله إلى وحش كاسر. «23وَإِلَهُ
السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ
وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا
يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَة بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي5: 23). «16وَإِنَّمَا
أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ5: 16).
توّج الله خليقته الأرضية بخَلَقَ الإِنْسَانِ لا كخليقة
وسط مخلوقات بلا حصر، وإنما علي صورته ومثاله، وأقامه سيدًا علي الخليقة
الأرضية...ويلاحظ في خَلَقَ الإِنْسَانِ الآتي:
أولاً: إن ما يشد أنظارنا في خَلَقَ الإِنْسَانِ قول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ: «26وَقَالَ
اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ
عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى
كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»، مؤكدًا: «27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ
اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ». الأمر الذي لم نسمع عنه قط في خليقة
أخري، إذ أوجد النفس تحمل صورة الثالوث القدوس، وتتسم بالتمثل بالله...
في هذا الشأن أود أن أشير باختصار إلى الفلسفات
الإلحادية المعاصرة لنرى أنها تقوم عن عدم إدراك لحقيقة العلاقة التي تربط الله بالإِنْسَانِ،
وعدم فهم خَلَقَ الإِنْسَانِ علي صورة الله.
نحن نعلم أن الإلحاد المعاصر هو رفض الله أكثر منه
إنكارًا لوجوده، فالملحدون المعاصرون لا ينكرون وجود الله لكنهم يتجاهلون وجوده،
أو بمعني أدق يريدون التحرر منه لأنه في نظرهم يستعبد الإِنْسَانِ ويفقده
إنسانيته. لذلك قال الملحد الألماني هنري هين: [فلنترك السماء للملائكة
والعصافير]، وقال الشاعر الفرنسي بريفير: [أبانا الذي في السماوات، أبق فيها].
وجاء ماركس بإلحاده فتتلمذ جزئيًا علي كلمات الفيلسوف فووباخ (1804-1872) القائل:
[أن نقطة التحول الكبرى في التاريخ ستكون اللحظة التي سيعني فيها الإِنْسَانِ أن
الإله الوحيد هو الإِنْسَانِ نفسه Homo homini deus].
هكذا أراد فووباخ أن يكون الإِنْسَانِ إلهًا لذاته، ليس
من كبير يكتم أنفاسه، وجاء ماركس ينكر وجود الله لا لشيء إلاَّ ليؤكد وجود الإِنْسَانِ.
هكذا رأي ماركس خطأ أن الدين هو «تغرب عن الإِنْسَانِ» بالهروب إلى ما يسمي «إله».
والآن لا أريد مناقشة هذه الأفكار هنا وإنما يمكن الرجوع للبحث الشيق العلمي الذي
كتبه الأستاذ كوستي بندللي، وإنما ما أريد توضيحه أن ما أثار هؤلاء الفلاسفة
الملحدين هو عدم إدراكهم لتقدير الله للإنسان. فالله ليس عدو الحرية الإِنْسَانِية
كما كرر الماركسيون، ولا يقوم وجوده علي عجز الإِنْسَانِ وذله، إنما خَلَقَ الإِنْسَانِ
علي صورته ليقبل خالقه صديقًا له، يتجاوب معه لا علي مستوي المذلة والضعف وإنما
علي مستوي الحرية والحب والصداقة،
في دراستنا للكتاب المقدس ككل أن الخط السائر فيه هو
إقامة الإِنْسَانِ علي صورة الله ومثاله ليكون وارثًا لله ووارثًا مع الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، شريكًا معه في المجد الأبدي. نري الله يجري وراء الإِنْسَانِ
ليضمه إليه لا ليحطمه، ويرفعه إلى ما فوق الحياة الزمنية. حتى بعد السقوط نسمع الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ كلمة الله يقول: «15لاَ
أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ
سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ
بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا15:
15).
وجود الله لا يقوم علي إهدار حياة الإِنْسَانِ وكرامته،
إنما ننزل الله إلينا لكي يرفعنا إليه، وقد جاء اللاهوت الشرقي في القرون الأولي
ملخصًا في العبارة المشهورة التي كررها كثير من الآباء وإن كان بأسلوب مختلف: [صار
الله إنسانًا، لكي يصير الإِنْسَانِ إلهًا]. إن ما يحمله الملحدون المعاصرون من
شوق نحو الألوهية إنما هو عطش داخلي نحو الأبدية يقوم خلال الصورة التي تمتع بها الإِنْسَانِ
دون سائر الخليقة الأرضية. وكما يقول كوستي بندللي: [أماني الإِنْسَانِ اللامحدودة هي
في الإِنْسَانِ صورة الله غير المحدود الذي يدعوه إلى مشاركته حياته].
لقد ظن ماركس أن يقيم من نفسه إلهًا لنفسه بإنكاره وجود
الله، ولم يدرك أن ما في داخله من شوق نحو الألوهية إنما هو ثمرة خَلَقَه علي صورة
الله وإن كانت قد انحرفت في اتجاهاتها. وقد واجه ماركس «مشكلة الموت» في عجز لذا حاول عدم التعرض لها
في إنتاجه الضخم إلاَّ مرة واحدة، بسبب ارتباكه أمام الموت وإدراكه أنه عندئذ يفقد
ألوهيته التي أقامها لنفسه. وظهر ذلك في قوله: [إن موت ولدي آلمني كثيرًا حتى أنني
لا أزال أشعر بمرارة فقده كما في اليوم الأول]. هنا يتحطم كل رجاء له، ويفقد معني
الحياة، لذلك بدأ الماركسيون يثيرون في مؤتمراتهم مشكلة «معني الحياة والموت» إذ
يقفون في حالة ارتباك.
إن كان الملحدون المعاصرون يظنون في تحطيم العلاقة مع
الله إقامة للكيان الإِنْسَانِي، فإننا نقول أن اتحادنا مع الله الذي خَلَقَنا علي
صورته ومثاله، ومات لينجينا ويهبنا شركة طبيعته والتمتع بأمجاده فوق حدود الزمان
والمكان. إننا نحمل صورته وكأننا عملته الخاصة التي لا يغتصبها آخر بل تنجذب إليه
لتوجد الصورة مع الأصل، وكما قال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «أَعْطُوا
إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22: 21). إذ
نحمل صورته نشتاق أن نرجع إليه وننعم بأحضانه.
عن خَلَقَ الإِنْسَانِ علي صورة الله
ومثاله:
لاحظ كيف يوجد في خَلَقَ الإِنْسَانِ أمر سام جدًا لا
نجده في خَلَقَ آخر، فخَلَقَ الله الإِنْسَانِ على صورته ومثاله، الأمر الذي لا
نجده في خَلَقَ السماء أو الأرض أو الشمس أو القمر.
الذي صُنع علي صورة الله هو إنساننا الداخلي غير
المنظور، غير الجسدي، غير المائت ولا فانٍ. بهذه السمات الحقيقية تتصف صورة الله
وبها تُعرف.
إني أقصد ما قاله الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ عندما رأي عملة
قيصر: «أَعْطُوا إِذاً
مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22: 21)، كأنه
يقول: كما يطلب قيصر منكم ختم صورته هكذا يطلب الله، فترد العملة لقيصر وتُرد
النفس لله مستنيرة ومختومة بنور ملامحه.
لقد طبعت ملامحك علينا! لقد أوجدتنا علي صورتك ومثالك!
لقد جعلتنا عملتك، لكن لا يليق بصورتك أن تبقي في الظلام. أرسل شعاع حكمتك لتبدد
ظلمتنا فتشرق صورتك فينا.
لا تبحث كيف ترد له المكافأة...ردّ له صورته، فهو لا
يطلب شيئًا غير هذا. إنه يطلب عملته... لا تعطه مكافأة من عندك، فالله لا يطلب ما
هو لك، فإنك إذ تعطيه ما لديك إنما تقدم الخطية.
ثانيًا: خَلَقَ الله النفس البشرية علي صورته ومثاله، أي
علي مثال الثالوث القدوس فهي كائن ناطق حيّ، ومع أنها جوهر واحد في كيانها
وطبيعتها لكن الكيان غير النطق غير الحياة. هكذا مع الفارق الآب هو الوجود الذاتي
له، والنطق هو كلمة الله، والحياة هو الرُّوحِ الْقُدُسِ. فالله واحد في جوهر،
موجود بذاته، ناطق بالابن، حيّ بالرُّوحِ الْقُدُسِ.
ثالثًا: في خَلَقَ الإِنْسَانِ وحده دون سائر الخليقة
يقول الله: «نَعْمَلُ» بصيغة الجمع، إذ يلذ للثالوث القدوس أن يعمل معًا بسرور من
أجل هذا الكائن المحبوب.
رابعًا: خَلَقَ الله الإِنْسَانِ في النهاية حتى يتوجه
كملك علي الخليقة، وكما نقول في القداس الأغريغوري أنه لم يجعلنا معوزين شيئًا من
أعمال كرامته. خَلَقَ كل شيء من أجله وأعطاه سلطانًا، إذ قال: «28وَبَارَكَهُمُ
اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ
وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ
وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ1: 28). لم يخَلَقَه كائنًا خانعًا في
مذلة إنما أراده صاحب سلطان علي نفسه كما علي بقية الخليقة.
هذه تشير إلى ما ينبع عن النفس كما إلى أفكار القلب، أو
ما ينتج عن شهوات جسدية وحركات الجسد. فالقديسون الذين هم أمناء في بركة ربنا
يحملون سلطانًا علي هذه الأمور، فيسيطرون علي الإِنْسَانِ بكليته حسب إرادة الرُّوحِ،
أما الخطاة فعلي العكس يسقطون تحت سلطان ما ينتج عن رذائل الجسد وشهواته. المسيحي
الحقيقي ملك صاحب سلطان يقول لهذا الفكر اذهب فيذهب ولذاك أن يأتي فيأتي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق