إِنْجِيلُ يُوحَنَّا الإصحَاحُ الأَوَّلُ
هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ!!!
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ
عدد 1.
أولاً:
الْكَلِمَةُ في مجده الذاتي 1: 1
«فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ» الْكَلِمَةُ في أزليته.
«وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ»: الْكَلِمَةُ في
ذاتيته.
«وَكَانَ الْكَلِمَةُ
اللَّهَ»: الْكَلِمَةُ في طبيعته.
هذا
هو الوصف الثلاثي الذي به يصف يوحنا صورة وكونية الْكَلِمَةُ الذاتي في العدد
الأول من بشارته
الْكَلِمَةُ في
أزليته: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ».
«الْكَلِمَةُ»! ما أعمق هذا الوصف
العجيب الذي وصف به الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هنا إذ وصف «الْكَلِمَةُ» وفي اليونانية «لوجوس»!
لقد هيأت العناية الإلهية
أفكار البشر، لفهم هذه اللفظة: «الْكَلِمَةُ» قبل أن نطق بها يوحنا.
فالعقلية اليهودية كانت قد ألفتها من كتابات «انقيلوس» اليهودي الذي ترجم التوراة من العبرية
إلى الآرامية في القرن الثالث قبل الميلاد وفي ترجمته استعاض عن اسم الجلالة بلفظة
«ممرا» – وتقابلها في العربية: «الْكَلِمَةُ»-
في المواضع الآتية:
«8وَسَمِعَا
صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ
النَّهَارِ فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلَهِ فِي
وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ3: 8)،
«16وَالدَّاخِلاَتُ
دَخَلَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ.
وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ7: 16)،
«20وَكَانَ
اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ يَنْمُو
رَامِيَ قَوْسٍ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ 21: 20)،
«20وَنَذَرَ
يَعْقُوبُ نَذْراً قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي وَحَفِظَنِي فِي هَذَا
الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ وَأَعْطَانِي خُبْزاً لِآكُلَ وَثِيَاباً
لأَلْبِسَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ28: 20)،
و«17وَأَخْرَجَ
مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ اللهِ فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ»(سِفْرُ
اَلْخُرُوجُ19: 17)،
أما
العقلية اليونانية فقد كانت مشبعة بلفظة «لوجوس» من كتابات فيلو
الفيلسوف الإسكندري. غير أن المعنى الذي تحمله «الْكَلِمَةُ» في كتابات يوحنا يسمو
عن معناها في آداب اليونان. كان اليونان يشيرون ب «الْكَلِمَةُ» إلى الذهن، والفكر، لكن
يوحنا أراد بها الذات والشخصية. فوصفه المسيح «بكَلِمَةُ
الله» لا يقتصر معناه على أن المسيح هو ذات الله المتكلم. فإذا كان الله
قد تكلم بواسطة أنبياءه لكنه كلمنا في المسيح. من سمع المسيح قد سمع الله بالذات،
ومن رآه فقد رأى الله. أن «الْكَلِمَةُ» في يوحنا هو خالق الكون
«3كُلُّ
شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 3)،
وهو
الذي ظهر قديماً لاشعياء قابل «37وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ
هَذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، 38لِيَتِمَّ
قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الذَي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ
خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» 39لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا.
لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: «40قَدْ
أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ،
وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». 41قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ
وَتَكَلَّمَ عَنْهُ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا12: 37-41).
مع
«1فِي
سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ
عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. 2السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ
وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ
يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. 3وَهَذَا
نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ
كُلِّ الأَرْضِ». 4فَاهْتَزَّتْ
أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ وَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَاناً. 5فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي
إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ
الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». 6فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ
وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ 7وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ قَدْ
مَسَّتْ شَفَتَيْكَ فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ». 8ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: «مَنْ
أُرْسِلُ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» فَأَجَبْتُ: «هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي». 9فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِهَذَا الشَّعْبِ:
اسْمَعُوا سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُوا وَأَبْصِرُوا إِبْصَاراً وَلاَ تَعْرِفُوا. 10غَلِّظْ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ
أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ
بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمْ بِقَلْبِهِ وَيَرْجِعَ فَيُشْفَى». 11فَسَأَلْتُ: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟»
فَقَالَ: «إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ وَالْبُيُوتُ
بِلاَ إِنْسَانٍ وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ 12وَيُبْعِدَ
الرَّبُّ الإِنْسَانَ وَيَكْثُرُ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. 13وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا عُشْرٌ بَعْدُ فَيَعُودُ
وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ وَلَكِنْ كَالْبُطْمَةِ وَالْبَلُّوطَةِ الَّتِي وَإِنْ
قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعاً مُقَدَّساً»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ6: 1-13)،
وهو الذي بقبوله يولد
المرء ثانية «12وَأَمَّا
كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ
اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. 13اَلَّذِينَ
وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ
رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا1: 12و13)، وهو صاحب السلطان المطلق على كل ذي جسد «2إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ
لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 2).
إن «كَلِمَةُ» شخص ما، هي ما يعبر به
عن نفسه، وهي أداة اتصاله بالآخرين، وتفاهمه معهم. بكَلِمتَهِ يظهر فكره، ويلقى
أوامره، ويبلغ إرادته. فالْكَلِمَةُ تحمل معها الشخصية بما
فيها من ذات وصفات. فهي إذاً ليست مجرد حروف تتصل بعضها ببعض، لكنها صورة، من
ورائها العقل، ومن وراء العقل الذات، ومن وراء الذات الجوهر.
في إمكان المستمع
أن يعرف المتكلم من كلامه، ولو كان المستمع ضريراً، فكلمة المتكلم هي الرسم الذي
أفرغت فيه الذات. «وكل من رأى المسيح فقد رأى الله» فهو كلمة الله، وهو صورة الله
غير المنظور، ورسم جوهره.
«وكلمة الله» هو الشخصية المتمثلة
فيها قدرة الله. الآمرة والناهية في الكون. لذلك قيل أيضاً فيه «وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ
قُدْرَتِهِ» «1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ
قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا
فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ
شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. 3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ
الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ
تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ1: 1-3).
إن العبارات الثلاث
الواردة في العدد الأول تتمشى في ترتيب عكسي مع الثلاث العبارات الواردة في إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 1 عدد 14:
عدد 1 عدد 14
«في البدء كان الْكَلِمَةُ»-(في الأزل) «الْكَلِمَةُ صار جسداً-(في ملء الزمان)»
«الْكَلِمَةُ كان عند الله»-(مستقل في كيانه مع
الله) «حل بيننا» – (مع الناس)
«كان الْكَلِمَةُ الله»-(ذو جوهر واحد مع الله) «صار جسداً»-مشاركاً للناس في اللحم والدم.
هذا الإعلان المثلث
هو أساس بشارة يوحنا، وموضوعها، وهو هو برنامج الفداء: «في البدء كان الْكَلِمَةُ»
– هذه حجة دامغة ضد القول بأن المسيح وجد مع الزمن عند التجسد..
«كان الْكَلِمَةُ
عند الله» – هذا برهان قاطع على أن المسيح ذو شخصية مستقلة في كيانه، وعلى أن له
أقنوماً متحداً بالله من غير امتزاج، مستقلاً عنه من غير انفصال…
كررت كلمة «كان»
ثلاث مرات على التوالي مع «الْكَلِمَةُ»، وهي لا تفيد الماضي
الذي انقضى بل تعين الكيان المطلق المستمر، المشفوع بالدوام المتواصل- «كان ولم
يزل». «كان الْكَلِمَةُ الله» - هذا تعبير يصف المسيح في طبيعته - له طبيعة الله
وجوهره.
0 التعليقات:
إرسال تعليق