• اخر الاخبار

    الجزء الثالث الخلفية الثقافية للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ إعداد د.القس سامي منير اسكندر






    الجزء الثالث


    الخلفية الثقافية للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ


    إعداد


    د.القس سامي منير اسكندر

    Ø    الخلفية الثقافية:
    إن الطريقة التي يعيش بها الناس – أي عاداتهم الاجتماعية والدينية ومتطلباتهم القانونية – هي السياق الذي تأتي منه الكتابة. ولكي نفهم الثقافة المتصلة بالكتابة فهذا معناه أن نفهم معنى الكتابة بطريقة أكثر وضوحاً.
    الخلفية الثقافية التي نعرفها من الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، فبعض العادات والخلفيات الثقافية يمكن معرفتها من الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ نفسه. ففي «2لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟»(إِنْجِيلُ مَتَّى15: 2)، أراد الكتبة والفريسيون أن يعرفوا لماذا لم يغسل تلاميذ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَيْدِيَهُمْ قبل أن يأكلوا. يبدو هذا سؤال معقول، أليس من الغريب ألا يغسل التلاميذ أيديهم قبل الأكل؟ ولماذا يبدو وكأن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ضج مثل هذه الممارسة الصحية؟
    يقدم لنا إِنْجِيلُ مَرْقُسَ تفسيراً اعتراضياً لتلك العادة «3لأَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ الْيَهُودِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ بِاعْتِنَاءٍ، لاَ يَأْكُلُونَ، مُتَمَسِّكِينَ بِتَقْلِيدِ الشُّيُوخِ. 4وَمِنَ السُّوقِ إِنْ لَمْ يَغْتَسِلُوا لاَ يَأْكُلُونَ. وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَسَلَّمُوهَا لِلتَّمَسُّكِ بِهَا، مِنْ غَسْلِ كُؤُوسٍ وَأَبَارِيقَ وَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَأَسِرَّةٍ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ7: 3-4). فيشرح أنها كانت ممارسة دينية َلكُلَّ الْيَهُودِ غسل المرء ليديه، بالإضافة إلى جانب أي شيء آخر يدخل في إطار وجبة الطعام. وقد أصبح من الواضح أن المواجهة لم تكن تتعلق بمسألة صحية، بل تتعلق بممارسة دينية كان فيها الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مخلصاً تجاه تقليده الشخصي، بمناقضة روابط المتطلبات الدينية التي كانت من صنع الإنسان.
    في مثال آخر، يبدو أمر غير قابل للتصديق بالنسبة لنا أن ينذر رجل أن يقدم أي شيء يخرج من باب بيته للقائه كمحرقة «30وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْرًا لِلرَّبِّ قَائِلاً: «إِنْ دَفَعْتَ بَنِي عَمُّونَ لِيَدِي، 31فَالْخَارِجُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي عِنْدَ رُجُوعِي بِالسَّلاَمَةِ مِنْ عِنْدِ بَنِي عَمُّونَ يَكُونُ لِلرَّبِّ، وَأُصْعِدُهُ مُحْرَقَةً». 32ثُمَّ عَبَرَ يَفْتَاحُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ لِمُحَارَبَتِهِمْ. فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِهِ. 33فَضَرَبَهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى مِنِّيتَ، عِشْرِينَ مَدِينَةً، وَإِلَى آبَلِ الْكُرُومِ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا. فَذَلَّ بَنُو عَمُّونَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 34ثُمَّ أَتَى يَفْتَاحُ إِلَى الْمِصْفَاةِ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا بِابْنَتِهِ خَارِجَةً لِلِقَائِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَهِيَ وَحِيدَةٌ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلاَ ابْنَةٌ غَيْرَهَا. 35وَكَانَ لَمَّا رَآهَا أَنَّهُ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «آهِ يَا بِنْتِي! قَدْ أَحْزَنْتِنِي حُزْنًا وَصِرْتِ بَيْنَ مُكَدِّرِيَّ، لأَنِّي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي إِلَى الرَّبِّ وَلاَ يُمْكِنُنِي الرُّجُوعُ». 36فَقَالَتْ لَهُ: «يَا أَبِي، هَلْ فَتَحْتَ فَاكَ إِلَى الرَّبِّ؟ فَافْعَلْ بِي كَمَا خَرَجَ مِنْ فِيكَ، بِمَا أَنَّ الرَّبَّ قَدِ انْتَقَمَ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ بَنِي عَمُّونَ». 37ثُمَّ قَالَتْ لأَبِيهَا: «فَلْيُفْعَلْ لِي هذَا الأَمْرُ: اتْرُكْنِي شَهْرَيْنِ فَأَذْهَبَ وَأَنْزِلَ عَلَى الْجِبَالِ وَأَبْكِيَ عَذْرَاوِيَّتِي أَنَا وَصَاحِبَاتِي». 38فَقَالَ: «اذْهَبِي». وَأَرْسَلَهَا إِلَى شَهْرَيْنِ. فَذَهَبَتْ هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا وَبَكَتْ عَذْرَاوِيَّتَهَا عَلَى الْجِبَالِ. 39وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ الشَّهْرَيْنِ أَنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى أَبِيهَا، فَفَعَلَ بِهَا نَذْرَهُ الَّذِي نَذَرَ. وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ رَجُلاً. فَصَارَتْ عَادَةً فِي إِسْرَائِيلَ 40أَنَّ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ يَذْهَبْنَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَنُحْنَ عَلَى بِنْتِ يَفْتَاحَ الْجِلْعَادِيِّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة11: 30-40).
    فسواء كان نذراً أو لم يكن، يبدو أنه أمر غير مفهوم أو معقول أن يقدم رجل ابنته الوحيدة ذبيحة، حتى أن بعض المفسرين يعتقدون أنه لم يقدمها ذبيحة بل مجرد أنه أطلقها بعيداً. وحيث أنه يقال إنها «وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ رَجُلاً»، فإن البعض يستنتجون أن الذبيحة كان التزاماً للعزوبية. ولكن المقطع كله يبدو أنه لا يشير إلى أن الممارسة العامة لذبح الشخص لابنته هي بالتحديد الأمر الذي حدث.
    توجد إشارة مستمرة في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ لطقس تقديم الأمم المحيطة بإِسْرَائِيلَ لأبنائهم كذبيحة. وقد كانت هذه هي واحدة من العادات الغير مفهوما، ويعتبرها القاريء العادي من الخطايا العظيمة لإِسْرَائِيلَ، وكذلك «21وَلاَ تُعْطِ مِنْ زَرْعِكَ لِلإِجَازَةِ لِمُولَكَ لِئَلاَّ تُدَنِّسَ اسْمَ إِلهِكَ. أَنَا الرَّبُّ»(سِفْرُ اَللاَّوِيِّينَ18: 21)؛ «2وَتَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي إِسْرَائِيلَ أَعْطَى مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. يَرْجُمُهُ شَعْبُ الأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ. 3وَأَجْعَلُ أَنَا وَجْهِي ضِدَّ ذلِكَ الإِنْسَانِ، وَأَقْطَعُهُ مِنْ شَعْبِهِ، لأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ لِكَيْ يُنَجِّسَ مَقْدِسِي، وَيُدَنِّسَ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ. 4وَإِنْ غَمَّضَ شَعْبُ الأَرْضِ أَعْيُنَهُمْ عَنْ ذلِكَ الإِنْسَانِ عِنْدَمَا يُعْطِي مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ، فَلَمْ يَقْتُلُوهُ، 5فَإِنِّي أَضَعُ وَجْهِي ضِدَّ ذلِكَ الإِنْسَانِ، وَضِدَّ عَشِيرَتِهِ، وَأَقْطَعُهُ وَجَمِيعَ الْفَاجِرِينَ وَرَاءَهُ، بِالزِّنَى وَرَاءَ مُولَكَ مِنْ شَعْبِهِمْ»(سِفْرُ اَللاَّوِيِّينَ20: 2-5)؛ «30فَاحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُصَادَ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا بَادُوا مِنْ أَمَامِكَ، وَمِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ آلِهَتِهِمْ قَائِلاً: كَيْفَ عَبَدَ هؤُلاَءِ الأُمَمُ آلِهَتَهُمْ، فَأَنَا أَيْضًا أَفْعَلُ هكَذَا؟ 31لاَ تَعْمَلْ هكَذَا لِلرَّبِّ إِلهِكَ، لأَنَّهُمْ قَدْ عَمِلُوا لآلِهَتِهِمْ كُلَّ رِجْسٍ لَدَى الرَّبِّ مِمَّا يَكْرَهُهُ، إِذْ أَحْرَقُوا حَتَّى بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ لآلِهَتِهِمْ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة12: 30-31)؛ «37وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور106: 37).
    رغم أن الكثير من الخلفية الثقافية التي نحتاجها لفهم إعلان الله في الإِنْجِيل يمكن أن نجدها في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، إلا أننا في بعض الأحيان لا بد أن نسترشد بالمصادر الأثرية والسجلات الأخرى من ذلك الزمن للمساعدة في فهم إعلان الله.
    Ø    الخلفية الثقافية من مصادر خارج الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
    الخلفيات الثقافية من مصادر خارج الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ مفيدة في فهم معنى الكثير من المقاطع. في المراجع الكتابية التي ذكرناها من قبل، تسبب فجور الشعوب المجاورة في أن «يجيزوا أبناءهم في النار». فالحقيقة أنه كان هناك صنم معدني عملاق مصنوع كفرن يمكن تسخينه حتى درجة الاحمرار. وكان الوالد يضع طفله كذبيحة بين اليدين الممدودة لهذا الإله الناري، لكي يسترضي الإله أو لكسب إحسانه الكبير. وهكذا تساعدنا الخلفية على فهم الإشارة المتكررة لعملية  «الإجازة في النار».
    في إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 9، يبدو من الغريب أن والدي الرجل الأعمى كانا في شدة الخوف من أن يتم «إخراجهما من المجمع» حتى أنهما لم يساندا ابنهما «22قَالَ أَبَوَاهُ هذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا9: 22). بل الأغرب من ذلك، يشير السياق إلى أنهما لم يكونا في المجمع على الإطلاق، بل أن الشفاء تم في الهيكل. إلا أن معرفة الثقافة اليهودية تحل اللغز. فمن خلال مصادر خارج الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عرفنا أن العضوية لم تكن في الهيكل، بل في المجمع المحلي. أن يتم «اخراج أحد» منه كان طرداً، بحسب المجتمع اليهودي، يحتمل فيه أن يفقدوا حقوق المواطنة. بالإشارة إلى تلك الخلفية نجد أن جرأة وشجاعة الأعمى في الحديث بهذه الطريقة للقادة الدينيين كان يعتبر شجاعة فائقة.
    روى الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مثل ضيف العرس الذي لم يستطع أن يدخل إليه لأنه لَمْ يَكُنْ لاَبِسًا لِبَاسَ الْعُرْسِ «11فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَانًا لَمْ يَكُنْ لاَبِسًا لِبَاسَ الْعُرْسِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22: 11). يبدو هذا الأمر غير عادل، خاصة لأنه الضيوف لم يطلبوا الدخول ولكنهم «جمعوا» من الطريق. بل يبدو الأغرب هو أن يربطوا يديه ورجليه ويطرحوه خارجاً! لكن الدراسة للخلفية الثقافية تساعد على كشف هذا الغموض. إذ أن لباس العرس كان يقدمه المضيف نفسه، لذلك فالشخص الذي يرفض ذلك فإنه يثبت أنه مغتصب وغير مؤهل بصورة متعمدة.
    في نفس المقطع يرد الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ على السؤال الخبيث الذي وجههه له الهيرودوسيين. فيخبرهم أن «21قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى22: 21). نظريات لاهوتية كاملة تم بناؤها على تلك العبارة المبهمة. لكن يتضح من السياق أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كان يقدم إجابة من هذا النوع لأناس كانوا يحاولون أن يصطادوه بسؤال غير صادق. لكن البحث في الخلفية الثقافية تشير إلى أن الأموال «العلمانية» لم تكن مشروعة كتقدمة في الهيكل، لهذا السبب كان هناك تبادل للأموال في الهيكل. فالتقدمة في الهيكل كان يجب أن تتم بعملة الهيكل، لذلك كان هناك مصارف لتغيير العملة في المبنى. كان الهيرودوسيون يحاولون أن يوقعوا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لكي يدلي بعبارة غير وطنية. فكان عليه إما أن يخالف قوانين الدولة، والضرائب الرومانية المكروهة، وبذلك يكون خارجاً عن القانون، او أن يكون إلى جانب الضرائب وبذلك يكون خائناً لشعبه. في وجه هذا السؤال، قام الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بتجاوز السؤال موضحاً أنه إذا كانت العملة محفور عليها وجه الرجل وصورته، فلا بد أذاً أنها تخصه! وبالمثل، فلا بد أن تستخدم عملات الهيكل في تقدمة الهيكل، ليس أن تستخدم لدفع الضرائب الرومانية.
    بإجابته هذه ظل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ خاضعاً للقانون وللرومان ومخلصاً لشعبه إِسْرَائِيلَ في نفس الوقت. أما التعليم العميق الخاص بتداخل الأمور الثقافية الشرعية في شؤون هذا العالم، فيجب البحث عنها في مكان آخر في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. لذلك فإن الخلفية الثقافية يمكن أن تساعد كثيراً في فهم المقطع.
    لكن يجب على المرء أن يكون في غاية الحذر في سعيه للفهم من مصادر خارج الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. فعلى سبيل المثال، قام أحد الوعاظ المعاصرين بتدعيمه «لعقيدة الرخاء» بقوله إن ركوب الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ على أتان كان هو المعادل الثقافي لقيادة سيارات فخمة اليوم. وهي عقيدة مريحة، ولكنها تبعد كثيراً عما تنبأ به النبي عن المسيا الوديع الذي لم يصل وهو ممتطياً حصان حرب: «9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ»(سِفْرُ زَكَريَّا9: 9).
    كيف إذاً يمكننا أن نجد إجابات على أسئلة تتعلق بالخلفيات التاريخية والجغرافية والثقافية؟ وما هي الوسائل التي يجب اتباعها؟ كما رأينا، إن القراءة المتأنية للسياق مع التحليل واستخدام أدوات البحث كثيراً ما تلقي بالضوء على مسألة الخلفية، وهي المكان الذي يجب على الشخص أن يبدأ منه دراسته.
    ربما كانت أفضل الوسائل على الإطلاق هي الشواهد المقابلة التي تقدم في هوامش أي كتاب مقدس دراسي جيد. كما أن الكتب المقدسة ذات الموضوعات تخدم نفس الغرض. بكلمات أخرى، إن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ نفسه كثيراً ما يقدم المعلومات التي نحتاج إليها بخصوص الخلفيات التاريخية والثقافية لمقطع معين. فعندما يتقدم دارس الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بما يكفي لأن يعرف أين توجد المقاطع المتوازية والخلفية التاريخية، فقد لا يحتاج إلى مثل هذه الأداة الخارجية كثيراً. ومع ذلك، فبالنسبة لمعظم دارسي الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يكون من الضروري تحديد مواضع المقاطع المتوازية والمتشابهة لإلقاء مزيد من الضوء على الأحداث التاريخية والخلفية الثقافية التي تساعد على تفسير المقطع الذي تتم دراسته.
    تلك هي الأدوات الأساسية، ومع ذلك، فإن الكثير يمكن جمعه من أعمال الأشخاص الذين أجروا دراسات متخصصة في النواحي الثقافية. لهذا السبب، فإن الكتب الخاصة بخلفية الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، وقواميس الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، ودائرة معارف الكتاب المقدس تقدم مساعدة عظيمة في فحص الخلفية الثقافية للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ.
    إن المتخصص الذي يستخدم تلك الإشارات لتفسير الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يقوم بكتابة ما يكتشفه في تفسير «نقدي». والتفسيرات النقدية تختلف عن التفسيرات التعبدية من حيث أنها تتعامل مع الأمور المتعلقة بالمعنى. أما التفسيرات التعبدية فهي لا تتعامل في العادة مع أمور النقد النصي والدراسة المتأنية للمقطع. ولكنها تركز على تطبيق المقطع على الحياة. فباستخدام كل الإرشادات التفسيرية، يجاهد المفسر النقدي لكي يحدد معنى النص، وبذلك يكون هذا المفسر قد عمل بالفعل ما نتعلم نحن الآن أن نقوم به.
    حتى بالنسبة للدارس الخبير للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، من الأفضل أن يقارن التفسير بعد أن يكون قد قام بدراساته المستقلة الخاصة. هناك عدة أسباب لذلك، أنه لا يوجد مفسر معصوم من الخطأ، كما لا يوجد مفسر خبير بكل مقطع من مقاطع الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. ففي معظم الأحيان يعتمد المفسر على عمل مفسرين سابقين. لذلك، كي يحتفظ المرء بحكمه المستقل، وبسلامة واستقامة عمله، من الأفضل القيام بدراسة شخصية أولاً، بدراسة أو استخلاص معنى النص بواسطة الأدوات الأساسية. من ناحية أخرى، ليس من الحكمة على الإطلاق إنهاء دراسة الفرد الشخصية دون الرجوع إلى عدد من التفسيرات الجيدة للمقطع. كما أنه في تلك المرحلة النهائية من الدراسة، يقدم المفسر أيضاً مراجعة لاستنتاجاته الخاصة، كما يقدم كذلك فهماً إضافياً قبل أن يكون قد أتم عمله بالكامل. بل الأكثر من ذلك، يقدم المفسر مصادر مناسبة للخلفية يمكن الرجوع إليها.
    ملخص
    يجب على الدارس أن يفحص بعناية خلفية أي مقطع كتابي. ويجب أن يسأل نفسه كيف يتناسب المقطع مع سير الأحداث التاريخية، وكيف تؤثر الجغرافيا أو السمات الجغرافية الأخرى على المعنى. كما يجب عليه أن يحدد العوامل الثقافية التي يحتاج للانتباه إليها، لكي يتأكد من فهمه للمعنى الذي قصده الكاتب.




    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: الجزء الثالث الخلفية الثقافية للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ إعداد د.القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top